من هو أبو بكر الرازي؟
محمد بن زكريا الرازي الشهير بأسم أبو بكر الرازي ، الكيميائي و الفيلسوف المسلم المشهور الذي يُعتبر أيضاً أعظم طبيب في العالم الإسلامي.
وُلِدَ أبو بكر الرازي فى مدينة الري بالقرب من طهران عام ٨٥٤ ميلادي.
قيل أنه كان كيميائياً قبل أن يصبح طبيباً، و أشتهر بعلوم الطب و الكيمياء، فكان يجمع بين العلمين و يصف الدواء لكل داء، و تلقى علومه فى بغداد و عمل بها حتى مات عام ٩٣٢ ميلادي.
يعتبر المؤرخون أبو بكر الرازي من أعظم أطباء القرون الوسطى، و يقول عنه المؤرخون:
(كان الرازي أوحد دهره، و فريد عصره، قد جمع بعلوم القدماء خاصة الطب).
مدير مستشفى
ظهر الرازي فى أيام الخليفة العباسي عضد الدولة، فأستشاره عندما أقدم على بناء مستشفى أو مصحة فى بغداد.
حيث ساعده فى إختيار الموقع المناسب الذي يجب أن تُبنى فيه المستشفى التى أطلق عليها أسم البيمارستان.
و أبتكر الرازي طريقة جديدة فى إختيار موقع المستشفى، و كانت محل إعجاب و تقدير الأطباء، و تتلخص هذه الطريقة فى أنه قام بوضع بعض قطع اللحم فى أنحاء مختلفة من بغداد، ثم راح يلاحظ سرعة التعفن فيها.
فكانت أنسب الأماكن من حيث نقاء الجو و إعتداله، هى أقلها فى سرعة تعفن اللحم، و بهذا أستطاع إختيار المكان الصحي المناسب لبناء المستشفى.
و عندما أراد عضد الدولة الخليفة العباسي، أن تضم هذه المستشفى أفضل الأطباء، أمر بأن يحضروا له قائمة بأسماء الأطباء المشهورين.
و قد زاد عددهم على المائة و لكنه أختار منهم عشرة أطباء فقط، و كان أبو بكر الرازى على رأسهم.
و وقع عليه الإختيار لأن يدير المستشفى، و هكذا أدار المستشفى متخذاً منها مجالاً للبحث و الدراسة والتأليف.
أهم أعمال أبو بكر الرازي
تميز الرازى بوفرة الإنتاج العلمي، حتى تعدت مؤلفاته على المائتين و العشرين مخطوطة، ضاع معظمها بسبب الإنقلابات السياسية فى الدول العربية.
ومن أبرز ما يلاحظ فى مؤلفاته، صفة العالم الأمين، الذي ينسب كل شىء ينقله إلى قائله و يرجعه إلى مصدره.
قد كان يسلك مسلكاً علمياً سليماً، فأجرى التجارب و أستخدم الرصد و التتبع، حتى أن بعض علماء الغرب يعتبرونه مؤسس الكيمياء الحديثة فى الشرق و الغرب.
كما قام بالإستفادة من معلوماته فى علوم الكيمياء و تطبيقها على الطب، و أستعمال الأجهزة الطبية و صنعها.
و قام أبو بكر الرازي بتصنيف المواد إلى ٤ أقسام و هى المواد النباتية و المشتقة و الحيوانية و العدنية، وقام بتصنيف المعادن إلى ٦ أصناف تبعاً لصفاتها.
و كان الرازي أول من استخدم الكحول كمطهر و الأفيون كمخدر، و درس حمض الكبرتيك كما كان يستخلص الحوامض الأخرى.
كما أنه أستخدم الكحول فى الصيدلة و صناعة الأدوية المختلفة،
و أول من نقل عنه طريقة تحضير الكحول هو إرنو دوفيلينيف.
و قدم إسهامات عديدة في مجالات طب الأطفال و التوليد وطب العيون.
و من السمات الخاصة لنظامه الطبي أنه كان يفضل العلاج من خلال الطعام الصحيح و المنظم، و تجنب الإستخدام المفرط للعقاقير الكيميائية.
علاوة على ذلك كان يختبر العلاجات على الحيوانات من أجل تقييم آثارها قبل إستخدامها على البشر.
و فى دراسة الرازى للطب، ذَكَرَ أثر العوامل النفسية فى العلاج فكان يقول “إن مزاج الجسم تابع لأخلاق النفس”.
فلسفة أبو بكر الرازي
لم ينشئ أبو بكر الرازي نظاماً فلسفياً منظماً بشكل جيد، و مع ذلك كان المفكر الإسلامي الأكثر ليبرالية و إستقلالية.
كما ظهر ذلك من خلال كفاحه ضد فكرة السلطة المطلقة التي تمنح السلطة لعدد قليل من الرجال المميزين.
السلطة الوحيدة التي آمن بها و التي قبلها هي العقل، الهبة التي أعطاها الله لجميع الناس دون أي تمييز، و الدعم الفكري الذي ساعد الروح على التعرف على أصلها و العودة إليها.
و قد مَجَدَ الرازي العقل و مدحه و تحدث عنه طويلاً فى كتابه (الطب الروحاني)، فقد أعتبر الرازي العقل أعظم نعم الله.
إذ به ندرك ما حولنا، وبه أستطاع الإنسان أن يسخر الطبيعة لمنفعته، و به يتميز الإنسان على سائر الحيوانات.
و من أقواله عن العقل:
“أن لا نجعله و هو الحاكم محكوماً عليه، و لا و هو الزمام مزموماً، و لا و هو المتبوع تابعاً، بل نرجع فى الأمور إليه، و نعتبرها به، و نعتمد فيها عليه… و لا نسلط عليه الهوى الذي هو آفته و مكدره، و الحائد به عن سننه و محجته، و قصده و أستقامته… بل نروضه، و نحوله، و نجبره عن الوقوف عند أمره و نهيه”.
وقد أُهْملت كتابات الرازي الفلسفية لقرون، و لم يتم تقدير أهميتها حتى القرن العشرين، على الرغم من أنه أدعى أنه تابع لأفلاطون.
كما أختلفت وجهات نظره بشكل كبير عن آراء المترجمين الشفويين العرب اللاحقين لأفلاطون مثل الفارابي، ابن سينا، ابن رشد.
و كان الرازي يعتقد تماماً مثل جالينوس، أن الطبيب المتميز يجب أن يكون أيضاً فيلسوفاً.
و من بين أعماله الفلسفية تعليق على أفلاطون تيمايوس، و إنتقاد العقيدة المعتزلة.
مؤلفات أبو بكر الرازي
ترك الرازي ورائه ما يزيد على المائتين و عشرين كتاباً و مخطوطة تحتوي على مقتطفات من علماء سابقين.
كما أبتكر الكثير من النظريات التي ساهمت في تطوير الطب فى ذلك الوقت.
و تمت ترجمة معظم كتبه إلى اللغات الأوروبية و أستخدمت في العديد من الجامعات الأوروبية.
و من أبرز مؤلفات أبو بكر الرازي:
١. كتاب الطب الروحاني
تحدث فيه كثيراً عن نعمة العقل التى يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات.
٢. كتاب سر الأسرار
و قد ذَكَرَ فيه المنهاج الذي يسلكه فى إجراء التجارب، حيث كان يبدأ بوصف المواد التى يستخدمها، ثم الأدوات و الآلات التى يستعملها، و بعد ذلك الطريقة التى يتبعها فى تحضير المركبات.
و فى هذا الكتاب يصف ما يزيد على العشرين جهازاً، بعضها مصنوع من الزجاج، و بعضها الآخر من المعدن، و شرح تركيبها.
٣. كتاب الحاوي
و هو من أعظم الكتب التى ألفها، فهو موسوعة طبية لجميع الإكتشافات الطبية التي تمت خلال عصره، بالإضافة إلى إكتشافاته.
و هو كتاب شامل أستطلع فيه الطب اليوناني و السوري و العربي المبكر و كذلك بعض المعارف الطبية الهندية.
كما تناول هذا الكتاب الأمراض المختلفة و سير المرض مع العلاج المستعمل و تطور حالة المريض.
و في هذا الكتاب أنتقد الرازي آراء جالينوس حول تطور الحمى، حيث واجه شخصياً حالات لا تتوافق مع أنماط جالينوس.
٤. الأسرار فى الكيمياء
يعتبر كتاب الأسرار في الكيمياء من أهم الكتب و كان هذا الكتاب هو المرجع فى مدارس أوروبا لمدة طويلة، و كان يوضح فيه الرازي الإجراءات الكيميائية لطلاء المعادن.
و فيه صَنَفَ المعادن إلى ستة تصنيفات: الأرواح و الأجسام و الأحجار و الزاج و البوراكس و الأملاح.
٥. كتاب نفيس فى الحصبة و الجدري
و هو من روائع الطب الإسلامى، عرض فيه أعراض المرض و التفرقة بين كل منهما.
و تُرجم إلى اللاتينية و اليونانية و غيرها من اللغات الحديثة.
٦. كتاب من لا يحضره الطبيب
و يُعْرَف بطب الفقراء، و قد شرح فيه وسائل معالجة المرض فى غياب الطبيب، و الأدوية الشائعة فى كل مكان.
وفاة أبو بكر الرازي
توفى العالم أبو بكر الرازي بمدينة الري مسقط رأسه
بتاريخ ١٩ نوفمبر عام ٩٢٣ ميلادي.
وقد كان يعانى فى أواخر حياته من مرض المياة الزرقاء بعينيه مما جعله يفقد بصره.
و هناك الكثير حول مساهمات هذا العالم العظيم في الفلسفة والكيمياء و الطب، لا يمكننا ذكرها كلها في مقال قصير.
فكلما علمنا أكثر عن مساهماته و حياته التى كانت مكرسة للطب، زاد تقديرنا لتراثنا الثقافي و العلمي الإسلامي.