نظراً للظروف و الضغوطات التي يتعرض لكل فرد منا سواء كان في دراسته أو في مجال عمله أو حتى في علاقاته الشخصية، كان من المتوقع أن يجد هذا العدو الدخيل منفذ سهل و بسيط، يستطيع الإكتئاب من خلاله أن يدخل للإنسان و يسيطر عليه سيطرة كلية، مستغلاً التوتر و القلق و التفكير الزائد الذين يحاوطون الإنسان من جميع إتجاهاته طبقاً لما يمر به في حياته، و لكن هل نستطيع طرد هذا العدو و التخلص منه؟، و هل يوجد طرق و أساليب يمكن أن نتخذها كدرع حامي و واقي منه؟، إذاً لنحاول أن نجيب على كل هذه التساؤلات في هذه المقالة، و الأهم أن نحاول الوصول إلى إلى إجابات وواقعية و منطقية لها.
ما هو الإكتئاب و ما الذي يعنيه؟
ببساطة شديدة إن الإكتئاب هو حالة صحية نفسية، يسيطر فيها على الفرد الشعور بالحزن و الضيق و فقدان الأمل في الحياة.
و في تلك الحالة يفضل فيها الشخص الميل إلى الوحدة و العزلة و الإبتعاد عن الناس، فحينها يرى الفرد كل شيء حوله باللون الأسود و كأن العالم قد انتهي، فالفرحة و البهجة و السعادة تكون مصطلحات بعيدة تمام البعد عن قاموسه.
فحتى لو كان يمتلك كل مسببات السعادة الموجودة في العالم، فإنه لا يستطيع أن يشعر بأي شيء، و كأنه هناك حائل و سد منيع بُنى بينه و بين سعادته، فهو كذلك يشعر دائماً بالوحدة حتى لو كان العالم بأسره بجانبه، وأحياناً في بعض الحالات قد يدفعه هذا الشعور اللعين إلى التفكير في إنهاء حياته، معتقداً أنه حينها سيتخلص نهائياً و إلى الأبد من كل الآلامه و أحزانه.
هل يمكن أن يصيب الإكتئاب أي شخص في أي مرحلة عمرية؟
نعم فأي شخص هو عرضة للإكتئاب، و لكن توجد بعض الحالات التي قد تشجع على حدوثه مثل مرور الفرد بفترات صعبة بعد حدوث حالة وفاة له .
علي سبيل المثال، أو في بعض حالات الطلاق و الإنفصال، أو إذا كان الفرد نفسه يمر بظروف نفسية صعبة بسبب موقف أو حادثة تعرض لها.
و تشير بعض الدراسات أن النساء يكونوا عرضة للإكتئاب بشكل أكبر من الرجال، و ذلك بفعل بعض العوامل المتعلقة بالهرمونات كإكتئاب الحمل ، و إكتئاب ما بعد الولادة، و كذلك أيضا بفعل بعض العوامل الإجتماعية التي تمر بها من مسئوليات وواجبات عديدة ملقاة على عاتقها، و قد يمتد الإكتئاب ليشمل الأطفال أيضاً، فقد يعاني منه الأطفال الذين يتعرضون للتنمر من قبل زملائهم، و قد يتعرض له أيضاً الأطفال بعد إنفصال الأب و الأم، أو قد يتعرضون له نتيجة لفقدان أحد المقربين لهم.
ما هي أعراض الاكتئاب التي نستطيع من خلالها أن نجزم بإصابة الشخص بالإكتئاب؟
هناك أعراض واضحة و صريحة عندما نلاحظ وجودها على شخص ما ، نستطيع حينها أن نجذم بأنه مصاب بهذا المرض و منها:
- الشعور دائماً باليأس و الإحباط و الفشل، و بأنه لا يوجد أي شيء له قيمة في هذه الحياة.
- الميل بشكل واضح و صريح إلى البعد و الإنعزال عن الناس، و الرغبة الدائمة في الجلوس وحيداً بعيداً عن أي تجمعات.
- قلة الرغبة في الكلام و الحديث مع الآخرين، و أيضاً عدم التركيز في ما يقوله، و كأنهم لا شيء أمامه.
- الرغبة الشديدة و الملحة للبكاء في بعض الأحيان دون وجود أي سبب واضح و صريح يستدعي القيام بذلك.
- اللجوء في بعض الحالات إلى النوم لساعات طويلة، و كأنها وسيلة للهروب من الواقع الأليم.
- زيادة أو نقصان الوزن، و ذلك لأن الإكتئاب قد يسبب انسداد كبير في الشهية في بعض الحالات مما يترتب عليه نزول ملحوظ في الوزن، و في حالات أخرى يأتي الموضوع بصورة عكسية، فيتناول الفرد الطعام بكميات مهولة، و كأنه يخرج كل المشاعر السلبية الدفينة بداخله في هذا الطعام، و نتيجة لهذا يتسبب في حدوث زيادة كبيرة في الوزن.
- عدم المشاركة في أي نوع من أنواع الأنشطة الإجتماعية، و تفضيل البقاء في المنزل على الخروج و الإنطلاق.
- و من الأعراض الواضحة و الصريحة و التي تستدعي تدخل فوري و سريع، هي وجود محاولات إنتحارية أو تكرارها.
ما هي الأسباب و العوامل التي تقودنا إلى الإكتئاب؟
- إن الأكتئاب قد يحدث نتيجة لعدة عوامل، فقد تؤدي أحدى حالات الوفاة وفقدان شخص عزيز و غالى من الأهل أو الأقارب أو حتى الأصدقاء إلى الإكتئاب الشديد.
- التنمر على الأشخاص و التقليل من شأنهم و السخرية منهم.
- كثرة حالات الطلاق و الإنفصال، و شعوره الفرد بعد قدرته على التمكن من تأسيس أسرة ناجحة .
- شعور الإنسان بالفشل سواء في دراسته، أو في عمله، أو حتى في علاقاته و تعاملته مع الآخرين، قد تدفعه و تقوده إلى الإكتئاب.
- الهرمونات و التغييرات التي تمر بها المرأه في فترة الحمل و الولادة، قد تجعلها تصاب بما يطلق عليه”إكتئاب الحمل” أو “إكتئاب ما بعد الولادة”، هذا بإلاضافة إلى “إكتئاب انقطاع الطمث” الذي يحدث للمرأه عند بلوغها لسن معين
- وجود خلل في الكيمياء الخاصة بدماغ الإنسان، و التي قد تسبب في حدوث هذا الإكتئاب.
هل يمكننا معالجة الإكتئاب؟ و كيف؟
لكل داء دواء، فالله سبحانه و تعالى عندما يرسل الداء و الإبتلاء من المؤكد و أن يرسله معه الدواء، و هذا من لطفه -عز و جل- بنا، ولكن نرى أن هذا المرض يشكل إحراج شديد للمصابين به في بعض الحالات، فالبعض قد يخجل من الذهاب إلى الأطباء النفسيين، خوفاً من أن ينظر الناس إليهم نظرة إهانة، أو يعتقدوا بأنهم مصابين بالجنون، و إنني حقاً أتعجب من هذا الإعتقاد المزعوم، فالأطباء النفسيين شأنهم شأن بقية الأطباء، و مرض الإكتئاب هذا أيضاً شأنه شأن بقية الأمراض الأخري التي تحتاج للعلاج، و التدخل من قبل هولاء الأطباء، لتقديم المساعدة لهولاء المرضى و مساعدتهم على التماثل للشفاء.
و قد يكون العلاج في بعض الحالات بتقديم بعض الأدوية المهدئة التي تكون تحت إشراف طبيب مختص، أو تكون عن طريقة جلسات نفسية يجريها الطبيب مع المريض، يساعده من خلالها على تغيير الأفكار النمطية الخاطئة الموجودة بذهنه، و تشجيعة على المشاركة في بعض الأنشطة المختلفة حتى يكون عضو فعال و مؤثر في المجتمع، و كذلك محاولة إعطاءه الثقة في النفس، و منحه الأمل في الحياة من جديد، أو قد يكون العلاج هو دمج و مزج بين الحلين السابقين.
و في النهاية نود أن نوضح بأنه من الضروري ألا يستسلم أي منا لهمومه أو أحزانه، فنحن كثيراً ما نتعثر في حياتنا، و كثيراً ما نواجه صعوبات و مشاكل، و لكن الأهم هنا هي قدرتنا على مواجهتها، و العمل على النهوض من جديد، فكل يوم نعيشه في هذه الحياة يستحق منا أن نجتهد و نعافر، حتي نستطيع الوصول إلى كل ما نرجو و نتمنى.