لا شك ان الصراع الدائر حاليا في منطقة “الشرق الاوسط”،وتحديدا في منطقة الشام وارض الكنانة ،هو صراع وجودي بالنسبة لكل اطرافه ،صراع الوجود هذا يدار من عدة زوايا ومستويات ،بعض هذه المستويات لامس الخطوط الحمراء،إن لم يكن قد تجاوزها.
هي مباراه اذن وكل طرف ينهج استراتيجية معينة بهدف تحقيق اكثر المكاسب واقل الخسائر ،واللاعبون هنا هما النظام السوري بحلفائه في الداخل والخارج( نسبة من الشعب لسوري،بالاضافة الى دول البريكس،وبعض دول امريكا اللاتينية ،وشمال افريقيا)،في الجانب الاخر يوجد الاخوان المسلمون بتمويلهم القطري والتركي وبعض الامتدادات في الشارع السوري،واللاعب السلفي بتمويلاته السعودية ،واخيرا اللاعب الكبير الذي يدير استراتيجيات خصوم النظام السوري من اخوان وسلفيين(قاعدة ووهابيين) وهي الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها (بريطانيا وفرنسا ..)
بعد ثلاث سنوات من التدمير والتخريب الممنهج للدولة السورية،آلاف الضحيا ،وتدمير اقتصاد البلد وحرق وسرقة معامله وآثاره فيما يشبه كارثة طبيعية ،ولكنها هذه المرة من صنع البشر.
تعتبر معضلة الجبان من النظريات المفضلة عند مواجهة احدى مشكلات السياسة الدولية ،واخذت اسمها من رياضة ابتكرها مراهقوا كاليفورنيا ابان سنوات الخمسينات ،وتقضي ان يتواجه الشخصان بسياراتهما على طريق لا يسع الا سيارة واحدة،ويصلان الى بعضهما البعض باقصى سرعة ممكنة ،حيث لا يملك كلاهما الا خيارين اما الانحراف او الاصطدام المميت ،وهكذا فاللاعب الذي لا ينحرف يحصل على اكبر عائد ربحي ،اما الذي يجبن وينحرف فيمنى باكبر خسارة،او انهما يختاران الانحراف معا وبذلك يخسران معا ،او انهما سيصطدمان مع بعضهما البعض.
الخوف من الصدمة والجنوح نحو الاصطدام
طبول الحرب التي تدق على سوريا في هذه الايام ،تذكرنا بأزمة الصواريخ الكوبية التي اشتعلت عندما نصب الاتحاد السوفياتي صواريخ في الارض الكوبية كانت قادرة على قصف اغلب المدن الامريكية،في هذه الازمة . تحرك صانعو السياسة الخارجية الامريكية بهدف اجبار الاتحاد السوفياتي على سحب تلك الصواريخ ،ووضعوا على الطاولة خطتين :
1- الحصار البحري للجزيرة الكوبية ،ومنع وصول المزيد من الصواريخ
2- الضربة الجوية وتدمير الصواريخ المنصوبة.
اختارت واشنطن الحصار البحري لانه اقل استفزازا للاتحاد السوفيتي،في النهاية سحبت روسيا صواريخها في ازمة دامت 13 يوما.
ما يهمنا من استحضار هذا المثال هو المقارنة بينه وبين الوضع الحالي ،امريكا تهدد بضربة عسكرية لمواقع وأهداف في سوريا ،روسيا قررت ألا تدخل هذه الحرب ،فيما يشبه نوعا من الخداع الاستراتيجي،بقي الجيش السوري وحيدا في الميدان ضد الجيش الامريكي والتحالف المزمع تشكيله لأجل تنفيذ هذه الضربة،وفقا لنظرية معضلة الجبان ،اذا قدم النظام السوري تنازلات بهدف تفادي المواجهة فان حاصله الربحي في هذه المباراة هو ناقص 1،ونفس الشئ ينطبق على التحالف المهاجم،ولكن وفي نفس الوقت ،تعتبر تكلفة الاصطدام بالغة الفداحة والخطورة ،لانها ستجر لاعبين جدد الى ذه المباراة الدموية .
ايران تصرح على لسان اعلى قياداتها العسكرية والسياسية انها لن تترك سوريا وحيدة ،تصريح ايران هذا لن يكون بمعزل عن التنسيق مع حزب الله اللبناني،مجلس عموم بريطانيا رفض الترخيص لكاميرون بالضربة،تراجعت اساطيل الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس،كندا وألمانيا وايطاليا رفضوا التدخل العسكري.
بقيت بلاد العم سام وجمهورية “الحرية والاخاء والمس
اواة” كرأس حربة في هذا الهجوم،بالاضافة لتركيا الاخوان المسلمين واسرائيل.
عندما يتخبط العم سام
قبل ايام صرح اوباما ان خيار الضربة لازال قائما،وانه سيكون بعد يوم او بعد اسبوع او بعد شهر……. ؟؟اغلب الخبراء لمسوا في هذا التصريح منسوبا عاليا جدا من التردد والتخبط الشديدين،إنعكس ذلك بوضوح في قرار البيت الأبيض طرح مشروع قانون الضربة على الكونغرس لأجل التصويت.
لحدود هذه التطورات فاوباما وطبقا لنظرية معضلة الجبان،يحاول الانحراف لتفادي الضربة عبر كسب المزيد من الوقت ،عسى أن تحقق الآلة الدبلوماسية شيئا مهما أو تقع تغيرات محسوسة في الميدان السوري لصالح المسلحين،اذن اوباما يخسر قبل الاصطدام،وسوريا تربح قبل الضربة.
اذا وافق الكونغرس على الضربة ،سيكون على اوباما الحائز على نوبل للسلام،ان يتكفل بحماية حدود إسرائيل وأراضي قطر وقواعده ومطاراته في السعودية وتركيا والإمارات،مما يعني الاستعداد لحرب اقليمية طاحنة لا تبقي ولا تذر،ولا احد بإمكانه التكهن بالتطورات اللاحقة،فمن يدري ؟فقد تكون ضربة دمشق شرارة حرب عالمية ثالثة.
امريكا تعي جيدا مخاطر الضربة وتداعياتها سواء على امن الفتى المدلل الاسرائيلي او على تدفق النفط والغاز،بل وحتى على التركيبة الجيوسياسية للمنطقة خاصة في ظل النزعات الانفصالية التي بدأت تبرز لدى اكراد سوريا مما يهدد مصالح الاتراك،فاذا عمت الفوضى في المنطقة،لن يكون بمقدور احد لجم هذه التطلعات.
المنطق يقتضي ان يرفض اللوبي الاسرائيلي في الكونغرس هذا المشروع،لا ان تساند المعارضة الجمهورية هذا القرار،لان جميع المؤشرات تقول بعبثية ورعونة مثل هكذا ضربة،لن يستفيد احد،فلا الميزان العسكري في الداخل السوري سيختل لصالح المسلحين لان الحرس الثوري الايراني جاهز كما كتائب حزب الله،بالاضافة الى الدعم الروسي.كما ان الضربة لن تسقط النظام،لانه وعلى الاقل هدفها المعلن هو غير ذلك.
اذن وفقا لهذه الالية في التحليل،سيكمل اوباما انحرافه وانعطافه ،ولن يختار الاصطدام المباشر،بقي لساسة البيت الابيض التعويل على الضربة غير المباشرة،وهذه ستكون فقط لاجل حفظ ماء الوجه .