نتحدث اليوم في موقع مقالات عن الخنساء وحزنها على أخيها صخر وفقدها لأولادها الأربعة لعل أكثر ما يؤكد حقيقة أن الشعر تجسيد لمشاعر الشاعر وتسجيل لتجاربه هو شعر الخنساء. فشعر الخنساء يكاد يكون مقتصراً على البكائيات..
إنها لا ترثي بمعنى الرثاء المتعارف عليه، ولكنها تبكي فقدها لأبيها وأخويها صخر ومعاوية.
وكانت معظم هذه البكائيات على أخيها صخر.
اسمها ولقبها
إنها تماضر بنت عمرو بن الحرث المعروفة باسم الخنساء بنت عمرو (575 – 664) وكانت تسكن
في إقليم نجد ولقبت بهذا الاسم بسبب ارتفاع أرنبتي أنفها
لقبت بالخنساء مؤنث الأخنس ،والخنس هو تأخر الأنف عن الوجه مع إرتفاع قليل في الأرنبة، وهي
صفة مستحبة أكثر ما يكون في الظباء وفي البقر الوحشي.. كما كان يُقال للخنساء خناس.
والخنساء من أشهر شعراء الجاهلية، وقد طغى على شعرها بعد مقتل أخويها معاوية وصخر الحزن
والأسى والفخر والمدح، وقال عنها النابغة الذبياني: “الخنساء أشعر الجن والإنس” .
حزن لا ينقطع
وأقبلت الخنساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد من قومها وأعلنت إسلامها، وكان عليه
الصلاة والسلام يستمع إلى شعرها .
سألها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يوماً: ما أقرح مآقي عينيك؟
قالت: بكائي على السادات من مضر ،قال: هم في النار يا خنساء .
قالت: كنت أبكي لهم من الثأر، واليوم أبكي لهم من النار .
وقد أدت الخنساء رضي الله عنها فريضة الحج في خلافة عمر، وعندما لامها على ارتداء ملابس
الجاهلية حزناً على أخويها، أنشدت قصيدة تعجّب منها عمر لبلاغتها وقال لأصحابه: دعوها، فإنها لا تزال حزينة .
حوار الخنساء مع أم المؤمنين عائشة
ويروى أن الخنساء دخلت يوماً على السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – وهي ترتدي
خماراً ممزقاً وصداراً من الصوف، وهي ملابس الحداد للنساء على الراحلين في الجاهلية وتدب
على عصاها من الكبر،
ودار بينهما الحوار التالي:
يا خنساء .
– لبيك يا أماه .
أتلبسين هذا الرداء وقد نهى عنه الإسلام؟
– لم أعلم بهذا
وما الذي دفعك إلى هذه الحال؟
– موت أخي صخر .
الخنساء الصابرة المحتسبة
من أعظم المواقف التي تسجل للنساء صبرهن على رحيل فلذات أكبادهن في ساحات الجهاد و
الكفاح الوطني، وقد سجلت الخنساء اسمها بحروف من نور في قائمة الأمهات الصابرات
المحتسبات، حيث ابتليت برحيل أولادها الأربعة (عمرة، وعمرو، ومعاوية ويزيد) في معركة
القادسية وكانت مثالاً للأم الصابرة الثابتة قوية الإيمان .
وكانت الخنساء قد حثت أبناءها الأربعة على القتال دفاعاً عن الدين والوطن حيث تنقل لنا
الروايات الموثقة أنها وقبل بدء القتال أوصتهم فقالت: “يا بني لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم
مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم”،
إلى أن قالت: “فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله
على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجعلت ناراً على أوراقها،
فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والقيامة” .
وعندما دارت المعركة أستشهد أولادها الأربعة واحداً تلو الآخر، وحينما بلغ الخنساء خبر
مقتل أبنائها الأربعة كانت نعم الأم المؤمنة الصابرة ورددت كلمات تعبر عن عمق إيمانها .
وهكذا كانت وصية الخنساء الأم المسلمة المؤمنة لفلذات كبدها قبل المعركة وصية خالدة تجسد
قوة إيمانها وصبرها وحبها لأولادها، فما أعظم الشهادة دفاعاً عن الدين والوطن والكرامة .
و قد ماتت الخنسـاء في أول خلافة عثمان بن عفان في عام 24 هجرية 646 ميلادية .