الرثاء
الشعر العربي
إن الشعر من محاولات التعبير الإنساني عن مشاعره التي فاضت عنه و قد رأى فيه الإنسان مساحة
لتفريغ طاقته التي لامحل لها في نفسه فقد فاضت بها روحه فاخرجت كلمات بها من الموسيقي و
الألوان ما تخرج به مكنونات نفسه و دواخلها و الرثاء هو نوع من أهم أنواع الشعر العربي.
و إن الشعر العربي أو العرب قد برعوا في ذلك بما في اللغة العربية من مساحات الجمال و المفردات و
القافية و الموسيقي التي ساهمت و ساعدت أهل الشعر العربي حديثا و قديما التي استغلوها افضل
إستغلال لييدعوا و يخرجوا للتاريخ الإنساني و الأدب العالمي درر من كلمات و جواهر من كلمات .
تنوع الشعر العربي
و قد كان ذلك الإنتاج الشعري غير منصب علي حالة واحدة من نفس العربي بل كان إنعكاساً لكافة مشاعره و لم يتعمد فيه على منحي واحد من الأحاسيس بل إستطاع ببراعته أن يجعل من الشعر ميدانه الذي يخرج فيه كافة مشاعره و آهاته فها هو يري الجمال و يحبه و يصرح به عفيفا و صريحا فيخرج لنا قصائد من الغزل يخجل من ذكرها القمر ، و يبدع في مدح من يري فيه محاسن الأخلاق و القيم ، و تارة أخرى يبكي حزينا على فقيد له ضاع و لم يعد فتبكي السماء علي الكلمات مطرا من دمع و يأن الجبل لآهات كتبت خالصة من قلب فاض به الوجد و الشجن .
و هذا اللون من الشعر سنركز عليه هنا في هذا المقال و هو ” الرثاء”
الرثاء
و الرثاء هو ما يصدر من صوت للبكاء حال الفقد و هو لون من الشعر إشتهر به العرب و ملأوا به دواوين الأشعار من أحاسيسهم و مشاعرهم التي فاضت علي حد الكتمان و هو يكون لفقد عزيز حبي كان أو زوج أو أخ أو ملك و قد ظهر في عصر الدولة العباسية مع زيادة الفتوح و المعارك لونا من رثاء الأعضاء المفقودة أيضاً .
و من الشعراء من يرثي قيما معنوية و أخلاقاً لا أشخاصا و قد يرثي البعض ممالكا و حضارات فقدها العالم كما الأندلس فتري لها أكثر من رثاء قدمه أكثر من شاعر .
حالات شعر الرثاء
و قصيدة الرثاء قد تحوي في نظمها حالات ثلاث
- ندب وهو ما يحدث حال حدوث الفقد أو وفاة الميت
- و التأبين و هو ذكر محاسن المفقود أيا كان ملكا أو شخصا أو قيمة حتي .
- و الثناء هو حالة الحزن التي تطغي علي الجميع بعد الفقيد
التأبين و تكون فيه السمة الفلسفية غالبة حيث ذكر غاية الخلق و الحياة و الموت و مصير الحياة و غيرها من النظرات و التدبر و قد يختتم البعض قصيدة الرثاء بعبر و دروس و بطبيعة الحال فإن السمة الغالبة للرثاء هي الحزن و ما يشوبه من مدح للمفقود و قد ساعدت اللغة العربية بما فيها من معان ثرية على إخراج أدباً غنيا من الرثاء الذي يكون عند كتابته مدعاة للحزن و البكاء فهو فيض قلب غصه الضيق و اشتد عليه الأسى و لكن بعدما تمر النكبة يصل بالرثاء أن يكون حالة جمالية بما يتضمنه من معان و أشواق يدفعك قارءه للإعجاب بجماله و شجونه التي تنير الروح و إن أثقلتها .
أمثلة على الرثاء
و من أشهر ما كتب في شعر الرثاء هو رثاء الخنساء لأخيها صخر
تقول الخنساء:
يؤرقُني التّذكرُ حيَن أُمْسي فأصبحُ قد بليتُ بفَرْط نُكْسِ
على صَخرٍ، وأي فتى كصخرٍ ليَومِ كريهَةٍ وطعان حلس
فلم أر مثله رزءاً لجنًّ ولم أرَ مثلَهُ رزءاً لإنس
أشدَّ على صروفِ الدهرِ أبداً وأفضل في الخطوبِ بغير لَبْسِ
وضيفٍ طارق أو مستجيرٍ يروَّع قلبهُ من كل جرسِ
يذكرني طلوعُ الشمسِ صخراً وأذكُرهُ لكلِ غروبِ شمسِ
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
و هناك أيضاً من الشعراء من رثي نفسه قبل وفاته حتى أنه وصف قبره و هو ابن حذاق
هَلْ لِلْفَتَى مِنْ بَنَاتِ الدَّهْرِ من وَاقِمْ هَل لهُ من حِمَامِ الموتِ من رَاقِ
قد رَجَّلُونِيَ وَما رُجِّلْتُ من شَعَثٍ وأَلْبَسُونِي ثِيَاباً غَيْرَ أَخْلاَقِ
ورَفَعُونِي وقالوا: أَيُّمَا رَجُلٍ وأَدْرَجُونِي كأَنِّي طَيُّ مِخْرَاقِ
وأَرْسَلُوا فِتيةً من خَيْرِهمْ حَسَباً لِيُسْنِدُوا في ضريحِ التُّرْبِ أَطْبَاقِي
هَوَّنْ عَليكَ وَلا تَوْلَعْ بإِشْفَاقِ فإِنَّما مالُنا لِلْوَارِثٍ الباقي
و شعر الرثاء هلي قسوته و شدته الا انه من اصدق ما يقال في الشعر و من اغنى الابيات بالمشاعر و الوجد