اليوم حضرت بالصدفه البحته حوار بين رجل عجوز ، منحوت في وجهه علامات الصبر وجهه بشوش ، صاحب دم اخف من السكر ، و معه صديقه اللي شبهه تمام ، وانا كنت معاهم فنفس المترو اجلس علي بعد كام مقعد ، الحقيقه كان بيفصل بيني وبين هؤلاء العجائز شابين ، بيلقوا نظره بسيطه في ملازم دراسيه قبل ما يتوجههوا للامتحان ، ابتدا الحوار بكلمة احد الرجلين الكبار حين قال ” فاكر يا ابراهيم زمان ، فاكر اما ابويا ساب البيت ساعة النكسه وراح اعد في الترب ، كان هيموت من الزعل ، ساعتها كنت اصغر من الشباب دي بكتير ، فاكر ، ده احنا غلبناه علي مرجعناه زي الاول ” ، كنت استمع لحوارهم دون قصدي لاني عجزت عن مراجعه الورق اللي كان في ايدي ، وبالتالي تركيزي اتشتت وظل يبحث عن شئ يلفتني للاستماع له ، لاحظت ان الشاب اللي جنبي ساب الورق ورفع راسه واعد يسمع كلام العجوز ، ومركز اوي ، ومالت راسه ناحيه العجوز وكأنه بيمهد طريقه للدخول في الحوار ،
التفت الشاب وقال للعجوز : ” فعلا يا حاج ؟؟؟!! ، والدك ساب البيت وراح عاش فالترب ؟ ” ، رد العجوز : ” يا بني انت متقدرش تتخيل شعور المصريين ساعه النكسه كان عامل ازاي ، انا كنت تقريبا اصغر منك بكام سنه ، كنت بحس اني فى عار ، وان اي حد ممكن يفكرني بعاري ده ، كأنك عامل عمله وعارف انها غلط اوي وربنا فضحك ” ، ضحك الشاب ضحكه طويله جدا ، وكلما سكت اكمل ضحكته مره اخري ، والرجل ينظر له بتعجب وشعر انه يستهين بكلامه ،
فنظر اليه العجوز الاخر وقال له ” مالك يا بني انت بتستهزق بينا ، مهو ده عيبكوا يا شباب اليومين دول ، عمركوا ما بتحترموا الكبار ” ، الشاب عقد حاجبيه وقاله ” يا حاج انت فكرني بضحك عليكوا وعلي كلامكوا ؟؟؟ ، ابدا والله انا بضحك من غلبي بضحك من حالنا يا شباب اليومين دول ، انتوا قدرتوا تزعلوا ، قدرتوا تحسوا بالعار ، احنا مش قادرين نحس بكده ، ابوك لما راح اعد فالترب ، ده معناه انه حس كأن حياته انتهت لما مصر اتهزمت ، انا مش قادر احس بكده ، عارف ان حالنا زفت وحياتنا فالنازل وثورتنا طلعت غلط كان المفروض نكون بلطجيه عشان تبئه صح ، ومع ذلك اديني اعد كل شويه واحد يجي يقلي ، انجازات واصبر واستني وهم صح وانتوا غلط واديله فرصته ، يعني في ناس راضيه بهمنا وبتقول عليه يا جماله يا حلاوته ” ،
العجوز سرح فى كلام الشاب و لم يقدر علي اعطائه جواب فاخذ ينظر له بتفحص حتي وقعت عيناه علي ملزمة المراجعه فقال له : ” يا بني ذاكر هو الورق ده اللي هيرفعنا تاني من الهم ، هو علامك ده اللي هينجدنا ، ذاكر عشان تنفعنا ” ، ضحك الشاب مره اخري وقال : ” يا حاج علام ايه اللي بتتكلم فيه ، انا عارف بنسبة 100% اني مش هستفاد حاجه بالشهاده ولا العلام ده انا هتخرج كمان يوم واتركن جنب المركونين “،
العجوز طبطب علي كتف الشاب وكل عيونه حزن ، وقاله : ” فكرتني بأبويا الله يسامحك يا بني ” ، الشاب ضحك لكن فوجئت برجل يتدخل في الحوار من بعيد ويقول للشاب : ” مالها البلد يا خويا مهي زي الفل اهي والاوائل بيتعينوا ذاكر انت بس اياك تنجح ” ، ردت سيده وقالت له : ” يا حاج الاوائل بنات ومتعينوش ” ، ضحك الشاب وقالها :” لا في واحد بس فالبلد اتعين واشتغل ابوه هو اللي شغله وبمرتب كويس طبعا انت عارفه يا حاج ” ، ورجع الشاب مره اخري لورقه اما العجوزان اخذا يتحصران ويتذكران زمن عبد الناصر وحرب 73 .