خوف العمل أو الخوف بصفة عامة هو حالة طبيعيّة فسيولوجية ونفسية تشعر بها جميع الكائنات، والخوف عند الإنسان موجود منذ ولادته، لكن نسبة الخوف تختلف من شخصٍ إلى آخر، تبعاً لاختلاف الظروف والبيئات والعمر ونوع الشيء الذي سبب الشعور بالخوف له.
ما هو رهاب العمل ؟
و الخوف من الناحية العلمية يحدث نتيجة تنبّه منطقة معيّنة في الدماغ تسمّى اللوزة الدماغيّة إلى حالة الخوف، ممّا يؤدّي إلى إفراز الهرمون المحفّز للغدّة الكظرية من قبل الغدة النخاميّة، وهذا بدوره يؤدّي إلى إفراز هرمون الأدرنالين الذي يعمل على تحديد استجابة الجسم للمحفّز هنا و هو الخوف إمّا بالمواجهة أو بالهروب، ويتسبّب الخوف بتسارع في نبضات القلب والدّوار والتعب وفقدان الشهيّة و التوتّر وزيادة التعرّق و خاصّةً في راحة اليدين.
وسنناقش اليوم بتوسع أكبر الجانب العقلي لرحلة الأعمال والوظائف من خلال التركيز على ثلاثة مخاوف يمكن أن تعترض طريقك وذلك كما يلي:
١- الخوف من الفشل في العمل
يمكن أن يكون خوف العمل من الفشل منهكًا، ومتبعاً بدرجة كبيرة للغاية، فهذا الخوف يجعلك تتخذ موقف الحذر والدفاع بشكل دائم والمدافع يبقى غالباً في حالة ترقب ولا يتحرك.
مثال ذلك: الطالب الذي لديه (فوبيا الامتحانات) من شدة خوفه من الفشل وعدم النجاح في الامتحان قد يهرب ولا يدخل الامتحان فيرسب بالفعل أو يهرب بتأجيل الامتحانات وعندها لن ينجح أيضاً.
إذاً أول شيء يجب تذكره إذا كنت تشعر بهذا، سواء في البحث عن وظيفة أو التغيير إلى وظيفة جديدة عرضت عليك، هو الاستمرار في التحرك والعمل وتشتيت الفكرة، وإياك أن تتجمد في مكانك، وإنما قم بإشغال نفسك عن الأفكار السلبية التي تأتيك، فالعمل –أياً كان نوعه -يعمل كالبلسم على خوفك فيرطبه و يخففه، والذي يحركك دائماً النظر لإمكانياتك الحقيقية و طموحك، فالإنسان عندما يخاف يصبح أشبه بمن وضع نفسه في علبة صغيرة ضيقة أو غرفة مغلقة لا يري ما بخارج تلك الغرفة فهو لا يري إلا الحائط وفقط، لهذا السبب يكون للعمل تأثير إيجابي، فأنت تأخذ الكرة و تعيدها إلى ملعبك.
و إياك وأن تتخيل أن فشلك في الحصول على الوظائف مدبر ومخطط له سلفاً، فلا يوجد أحد يتربص بك من أصحاب الأعمال، فالوهم والخوف من الفشل هو الذي يحطمك، ويدمر طموحاتك.
٢- الخوف من الخطأ في العمل و تأثيره على النجاح
الجانب الآخر من الخوف من الفشل هو الخوف من النجاح ، و غالبًا ما يشار إلى المشكلة في جوهرها وحقيقتها باسم “متلازمة المحتال”،وهذا غالباً يحدث لمن يترقى أو يتولى مناصب عليا بمؤسسته، و يقصد بتلك المتلازمة أنه عندما تبدأ في الشك في أنك لست جيداً بما فيه الكفاية للعمل الذي أمامك أو تشعر بأنك تمت ترقيتك بما يفوق قدراتك. إنه خوف من أنك قد لا تملك القدرات التي يراها الآخرون متحققة فيك.
يجب أن يعرف الأشخاص الذين يشعرون أنهم قد زادت مسؤوليتهم ومناصبهم ومهامهم بسبب الترقيات أن العديد من الآخرين يشعرون بنفس الشعور، فإذا طلبت من أصحاب المناصب القيادية في أعمالهم مشاركة مشاعرهم حول ذلك، فأعتقد أن كثيراً منهم في جميع المستويات قد مروا بهذا الشعور في وقت أو آخر في حياتهم المهنية، بما في ذلك رؤساء الدول وكبار الموظفين على مستوى الدول ككل.
إذاً أنت لست محتالًا لمجرد أنك حصلت على ترقية، وكذلك يجب ألا تخاف فأنت لست في المكان الخطأ لمجرد أنك لا تشعر بأنك جدير بالتوقعات العالية للآخرين فيك، وإنما يجب أن تؤمن أنك ما كنت لتنجح لو لم تستحق ذلك النجاح الكبير والرائع.
يمكنك التغلب على هذا الخوف من النجاح من خلال مشاركة مخاوفك مع أولئك الذين تقترب منهم، وسيكشفون لك عدد المرات التي يحدث فيها هذا، وعدد الأشخاص الذين لديهم نفس هذا الشعور، بل إن معظم الأشخاص الذين تغلبوا على ذلك سيقولون لك أن هذا يرجع -في جزء كبير منه-إلى مفاهيم غير واقعية كلها تدور حول قلة كفاءتك وعدم جدارتك.
ويجب أيضاً أن يعرف الجميع أن الخوف من النجاح قد يكون سببه (هوس الكمال) بمعنى: أن يصبح الكمال منشوداً بشكل كبير والقيام بالعمل دون أية أخطاء، وهذا الخوف مرضي في الحقيقة فالعمل البشري دائماً معرض للخطأ والتقصير، والكمال لله وحده، فيجب على الموظف أن يبذل جهده في إتقان عمله وكفى.
وبالنظر لمن يبحث عن فرصة عمل من الشباب الواعدين، يمكن لهم أن يحموا أنفسهم من هذه المشكلة وذلك بقيامهم بضبط سيرتهم الذاتية وتقويتها وتدعيمها بشكل جيد قبل الدخول إلى سوق العمل للمنافسة بقوة، وبالتالي عند تقلد الوظيفة والترقية بها يكون على دراية بتلك العقبة ويكون مستعداً لتجاوزها بسهولة، والقيام بأعباء منصبه الجديد على أكمل وجه.
٣- خوف العمل و القلق من التغيير
لا توجد طريقة أكبر للركود والفشل في حياتك المهنية من مقاومة التغيير. “ولكن، قد تسأل، “إذا كنت مرتاحاً بمكاني و موقعي فلما أتعب نفسي بالتغيير والتطوير” هذه المسألة تسمى “منطقة الراحة” سوف تأتي مرارا وتكرارا في حياتك المهنية، فإذا تعلمت الآن كيفية التعامل معها وقبول قدر معين من عدم الراحة، فسوف تكون متقدمًا بفارق كبير عن منافسيك في سوق العمل، وبالتالي ستبقى مستعداً للتغيير والتطوير في عملك أو ذاتك كلما تطلب الأمر ذلك.
مثال ذلك: موظف تم تعيينه في شركة بمؤهل متوسط فاجتهد وتعب وخرج من “منطقة الراحة” والتحق بالجامعة وحصل على المؤهل العالي فأصبح رئيساً لقسم من أقسام الشركة ليس ذلك أمراً مستحيلاً لأن الجهد والتعب يحقق الأمور الصعبة للغاية.
مثال آخر: شخص يطلب الالتحاق بوظيفة معينة وشخص آخر يتقدم لشغل نفس الوظيفة ولكنه يمتلك مهارات أكثر من الشخص الأول كإجادة الإنجليزية أو إتقان الحاسب الآلي أو مهارات إدارة الذات وغيرها من المهارات التي أضافت لسيرته الذاتية وترتب على ذلك رفض الأول وقبول الثاني.
إذاً عندما تتقدم في حياتك المهنية، قد يكون الخوف من التغيير مرة أخرى هو العامل المقيد لنجاحك، كأن يتم ترقيتك في وظيفتك وزيادة راتبك ولكن ذلك مشروط بتواجدك في مناطق بعيدة عن المنزل والأسرة، فإما أنك ستنطلق متقبلاً التغيير وباحثاً عن وضع مادي أو علمي أكبر، أو أنك ستضع حدودًا جغرافية تتصل بحياتك المهنية وتحد من إمكاناتك؟ هذا بالطبع سؤال شخصي للغاية.
فعليك أن تتذكر دائماً أن “منطقة الراحة” هي السر الذي يقف خلف عدم حماسك لتحسين وضعك والتقدم للأمام على الصعيد الشخصي والمهني.
خوف العمل وكيفية علاج القلق الوظيفي
و يلاحظ أن الكتابة عن مخاوف كهذه تأتي مباشرة من القلب، فكثير منا إذا نظر إلى الوراء في حياته المهنية وأرى كيف عانى من العواقب ذات الصلة، سيجد أن العمل كان إكسير الحياة، فإياك أن تضع نظرات سوداء تجعلك لا ترى بشكل صحيح (الخوف الغير مبرر)
فعندما تقرأ عن (ستيف جوبز) مؤخرًا، ستكتشف أن منهجه كان دائمًا إبقاء الأمور في نصابها، وقد وضح ذلك في خطاب له مثير للغاية، حيث وصف أفكاره حول الخوف وصنع القرار قائلاً: “أتذكر أنني سأموت قريبًا فهذه هي أهم أداة وجهتها على الإطلاق لمساعدتي في اتخاذ الخيارات الكبيرة في حياتي لأن كل شيء تقريبًا -كل التوقعات الخارجية، كل الفخر، كل الخوف من الإحراج أو الفشل -هذه الأشياء كلها تتلاشى في وجه الموت”