فى عصرنا هذا لا تجد عائلة إلا ويوجد بها فرد من أفرادها وربما أكثر خارج البلاد، فى ظل الظروف المجتمعية وغلاء المعيشة وإرتفاع الأسعار وكل هذا تحت أزمة البطالة ونقص فرص العمل وضعف الرواتب، مما جعل الحديث عن دور السفر في العلاقات هام جداً.
جعل السفر والبحث عن فرصة عمل فى الخارج هى الحل الأمثل، الأمر بالطبع ليس حديثاً على الأطلاق على العكس بداية موجة السفر للخارج بدأ مع السبعينات وحتى الأن يزداد الأمر، بل وأصبح علامة النجاح أن تستطيع السفر وخلق مناخ إجتماعى وإقتصادى أفضل لك ولأسرتك.
وبغض النظر عن كون هذا أفضل أو أسوء ليس هذا موضوعنا ولكن الحديث هنا عن العلاقات، كل العلاقات بشكل عام بين الفرد الذى ترك البلد وسافر بالطبع لمدد طويلة وبين أفراد عائلته، الأم، الأب، الأخ، الأخت، أفراد العائلة والأقارب من الدرجة الثانية، والعلاقة الأهم على الأطلاق علاقة الشريك الزوج أو الزوجة هذة العلاقة التى تُبنى عليها الحياة، على هذة العلاقات تصح؟ بمعنى أنها علاقات صحية عادية أم أنها علاقات غير صحية ولا تستقيم معها الحياة؟ هذا ما سنحاول البحث عنه فى هذا المقال.
هل البعد يؤثر على علاقات الشخص؟
البعد بأى شكل من الأشكال هل بالفعل يؤثر على شكل العلاقات؟ قبل الحديث بشكل مُطّول عن تأثير البعد لابد من الأعتراف بأن العلاقات ليست واحدة ولن تكون علاقة الوالدين كأقرباء الدرجة الثانية، وبالطبع شكل علاقة الوالدين رغم قربها وأهميتها لها شكل مختلف تماماً عن شكل علاقة الشريكين، وكذلك تأثير البعد على كل نوع من العلاقات مختلف عن الأخرى، ولكن لا شك أبداً أن البعد أو السفر له تأثير سلبى على مختلف العلاقات، ولكن بالطبع لن نستطيع منعه فهى ُسنة الحياة والبحث عن الأرزاق فرض، ولكن هناك بعض العوامل التى تقلل من تأثير السفر السلبية على علاقتنا.
دور السفر في العلاقات بالوالدين والأقرباء
كما أوضحنا أن الدراسات جميعها أثبتت أن البعد أو السفر يؤثر على شتى أنواع العلاقات، ولكن فى النهاية عندما يكبر الشخص ويُصبح شخص بالغ مسئول من الطبيعى أن ينفصل عن والديه، والعلاقة تأخذ شكل مختلف فيكفى رؤية إسبوعية أو حتى كل إسبوعين لتحافظ على علاقة مثالية صحية قوية، أما مع وجود فرصة لمستقبل أفضل فى بلد أخر فيحل محل الزيارة المكالمات والرسائل والمقابلات على مواقع التواصل، وإن كانت لا تشبه المقابلات الحيّة بالتأكيد ولكن إذا كانت متكررة ومتقاربة فقط تحافظ على علاقة جيدة متوازنة إلى حد ما، والكثيرين تمكنوا من علاقات جيدة مع أقربائهم على الرغم من البعد.
نصائح للحفاظ على علاقتنا بالوالدين
الحفاظ على هذة العلاقات القريبة فى وجود السفر أو الغياب أمر ليس سهلاً بالتأكيد ولكنه ممكن إن بذلنا بعض الجهد، ولابد أن يكون هذا الأمر من أولويتنا بالتأكيد وهذة بعض النصائح لتساعدك.
- لابد من الأتصال بشكل شبه يومى ليس بالضرورة أن تكون مكالمة ولكن على الأقل رسالة للأطئنان وإعلان انك هنا وفاكر.
- الحفاظ على مكالمة فيديو طويلة مرة أو مرتين إسبوعياً لتسأل عن الأحوال وتسمع بصبر حكايتهم، بمعنى عدم إقتصار هذة المكالمات على الجمل المحفوظة والسلامات المعتادة.
- إهتم بالسؤال عن التفاصيل وسماع أدق التفاصيل مهما بدت صغيرة أو تافهة فهى تعنى لهم الكثير، على سبيل المثال السؤال عن ماذا يأكلون؟ كيف يسير يومهم؟ ما هى الأدوية التى يحتاجون إلى تناولها أحياناً، أو متابعة جدول علاجهم إن كانوا يعانون من مرض مزمن، وهكذا كل هذة التفاصيل الصغيرة تشعرهم انك لازلت هنا وأنه رغم الوحشة إلا أنهم يشعرون بوجودك قريبا.
- تذكر دائما طلباتهم أو ما يتمنون بالطبع إن كان فى حدود إمكانياتك، إن أستطعت إرسال هذة الطلبات كان هذا أفضل أما إن كان الإرسال صعب فتذكر أن تحضر كل ما طلبوه على مدار أحاديثكم قبل الزيارات حتى تفاجئهم بها، وإن كنت تخشى النسيان فهذا أمر طبيعى ولكن يمكنك التدوين فى مفكرة صغيرة.
- إستعن بهم فى أمورك إن امكن بمعنى إن أردت إنهاء أمر ما من أوراق رسمية أو شراء عقار أو ربما مشوار لمصلحة حكومية، فإستعن بأبيك او أحد أخوتك على الرغم من أن هذا عناء إلا أن الشراكة فى المسئوليات أمر يحفز قوة العلاقة ويزيد من شعور أنهم فى محيط إهتمامك.
دور السفر في العلاقات مع الشريك
العلاقة مع الشريك هى أمر مختلف تماماً ولا يُطبق عليه أياً من الأفكار السابقة، ولكن هنا السؤال قد يكون مخنلف بمعنى أنه فى الأصل هل ستصح العلاقة بين الشريكين إن كان أحد الأطراف فى بلد مختلف؟ بالطبع فى بلادنا توجد مئات العلاقات الموجودة على أرض الواقع وبينهما زواج وأطفال والأب مسافر والأم مع الأولاد فى بلد اخر، وقد يقول أحدهم هذا النوع من العلاقات موجود ومر عليه سنوات طويلة وهو لازال قائماً، الأب ينزل زيارة سنوياً أو حتى مرتين سنوياً والأمور تسير ما المشكلة؟
المشكلة تكمن فى أن هذة ليست علاقة أصلا ولا يعطيها عقد الزواج وجود حقيقى، بمعنى أنها مظهر إجتماعى وليس علاقة حقيقية، وفى أى بلد من البلاد لا تقام علاقة طويلة الأمد مثل الزواج فى ظل هذة الظروف أبداً، فالعلاقة قائمة هنا على إحتياجات أساسية للإنسان، إحتياجات نفسية وجسدية، وإحتياج للحب والأمان والأستقرار، إحتياج لتكوين بيت هادىء مستقر وروتين يومى وأسرة بشكل إجتماعى مكتمل، وهكذا فإن العلاقة التى يغيب احد أطرافها بشكل مستمر تتحول تدريجياً لشكل إجتماعى خاوى وليست علاقة بالمعنى المفهوم، ولكن ما الأسباب التى تجعل الحفاظ على العلاقة فى الغياب أمر مستحيل؟ هذا ما سنحاول توضيحة الأن.
أسباب فشل العلاقة بين الشريكين أثناء الغياب
كما تحدثنا من قبل أن لا علاقة طويلة بين طرفين أحدهما غير موجود، فالدراسات أوضحت أنها لا تسمى علاقة مهما إتخذت من أشكال إجتماعية وذلك لعدة أسباب أهمها:
التباعد الجسدى
فى القصص الرومانسية فقط والروايات الهندية وثقافتنا العربية هى التى تنكر أهمية التواصل الجسدى بين الطرفين، وضرورة إحترام الإحتياجات الجسدية للإنسان والتى من اهمها وأولها هى الإحتياج للجنس، وفى ديننا الزواج هو الحل الشرعى لتلبية هذا الإحتياج، ثم نأتى نحن بكل بساطة نقرر أننا سنتزوج ويسافر أحد الأطراف والأخر يبقى، أين الإتصال الجسدى؟ حتى وإن لم يكن كاملاً بمعنى أن العلاقة دائما ما تنطوى على تربّيتة على الكتف، نظرة حانية، مجرد النوم متجاورين فى سرير واحد يخلق جو من الألفة ضرورى لإستمرار العلاقة.
عدم التواصل اليومى
مهما حاولنا حل هذة الأزمة بالإتصال اليومى ومحاولة متابعة الأخبار والتفاصيل، فلن يفلح هذا بأى حال من الأحوال مع علاقتنا بالشريك الأمر هنا يخص الحياة بكل تفاصيلها.
الغياب عن أهم الحداث فى حياتنا
المسافر غالبا ما يغيب عن أهم الأحداث والمواقف التى تصنع الحياة فى الأصل، على سبيل المثال إذا مرض الشريك أو تعرض لحادث فإن الطرف الأخر لا يستطيع التواجد، ولادة أولادهم، مرض احد الأولاد، البحث عن المدارس المناسبة، أول يوم دراسة، وهكذا فإنه يُفوّت أغلب المناسبات حتى يسقط تماماً من الحسبة ولا يُعترف بوجوده، ومن هنا قرر العلماء أنه لا علاقة بين طرفين أحدهما مسافر لفترة طويلة.
أقرأ أيضا: السفرمع الأطفال بطريقة مثالية
المصادر
- دور السفر في تقوية العلاقات – مقال