ازدادت الكثير من الأبيات الشعرية جمالاً فوق جمالها، بسبب ربط الشاعر معاني الوجود، والعشق للمرأة، والحبيبة، والأم، وبشكل عام ربط المرأة بالوطن .
ورغم ارتباط كل شاعر بالقضايا الوطنية لعصره، إلا أن التشبيهات ظلت كما هي، فعشق الشاعر للمرأة يظهر في سرده للجوانب التي يراها تشبه فيها الوطن باحتوائه، وبكونه ملجأ الميلاد والموت.
وكما يوجد بالوطن مآسي وقضايا، فإن بعالم المرأة صولات، وجولات، وكم من المشاعر التي تجسد بذاتها عالماً يستحق التأمل، والتعبير عما جال بالبال وحوته الصدور؛ ليُسرد على الورق، ويٌقرأ بعقول مستنيرة، وأحساسيس صادقة لتعيه، وتنشره بكافة وسائل النشر في العالم كله.
قصائد المرأة والوطن لمحمود درويش
تشهيت الطفولة فيكِ
منذ طارت عصافير الربيع
تجرد الشجر
وصوتك كان، ياماكان
يأتيني من الآبار أحياناً
وأحياناً ينقطه لي المطر
نقياً هكذا، كالنار
كالأشجار.. كالأشجار ينهمر!”
إن أشعار محمود درويش التي ربطت المرأة بالوطن، لم تبعد كثيراً عن تلك الملحمة التي يعيشها عاشق في الحب، مثلما يعيش الجندي في حالتي السلام والحرب.
حتى في رؤيته في للقصيدة التي اقتبسنا منها الأبيات السابقة، قصيدة “قصائد عن حب قديم” بدا كم تأثر درويش بحالة الافتقاد لوطنه، واختفاء ملامح الونس، والشعور بالأمان به، مثلما يحدث في افتقاده للشعور بالحب مع الحبيبة.
وكما يتضح من خلال الأبيات، فإن زوال مشاعر الحب، يخيم على قلب وحياة الشاعر، فأحيانا يضن عليه بالذكريات وأحياناص أخرى يمنعها بالكامل عنه.
وفي ذلك اعتمد درويش على الربط بين فترة الطفولة، وبين صوت الحبيبة وبين هطول المطر، وعصافير الربيع، والأشجار.
وهذا يتضح أيضاً في تشبيهه لحالة الحب التي يعيشها مع حبيبته، فالحبيبة هي السكن، وهي الأمان، وهي الوطن.
ما الذي يجعل الوطن
بين عينيك أجملا؟
والأساطير والزمن
تتمناكِ منزلا
أنت عند أم الوطن
أم أنا الرمز فيكما
وفي قصيدته “النزول من الكرمل”، يشبه درويش الحبيبة بمواضع الذكريات في الوطن، وبالكرمل الملتهب، فيقول :
تركت الحبيبة لم أنسها
تركت الحبيبة
تركت ..
أحبّ البلاد التي سأحب
أحب النساء اللواتي أحب
و لكن غصنا من السرو في الكرمل الملتهب
يعادل كل خصور النساء
و كلّ العواصم
أحبّ البحار التي سأحبّ
أحبّ الحقول التي سأحبّ
قصائد المرأة والوطن في شعر نزار قباني
ارتبطت الغالبية العظمى من قصائد نزار قباني بداية من اسم القصيدة حتى مطلعها ،أو صدرها وحتى عجزها بالربط بين المرأة والوطن.
فلقد تأثر نزار كثيراً بالمرأة منذ أن كان صبياً ببيت أبيه؛ فتأثر بوجود أمه، وأخته، وزوجته بلقيس التي توفت في حادث مأساوي.
كما نجح نزار في تجسيد مشاعر الأنوثة، والصدق، والاحتواء، والصبر، والقوة، والتمرد التي تحياها المرأة، بتصويرها في حالات السقوط والنهوض التي تعيشها المجتمعات العربية بشكل خاص.
ومن أبرز أسماء دواوينه التي قام فيها بـ ربط المرأة بالوطن وأحواله : “إلى بيروت الأنثى مع حبي”، اليوميات السرية لبهية المصرية”، “تزوجتك أيها الحرية”.
وفي قصيدة نزار “طفولة نهد”، يقول :
من لثغة الشحرور .. من
بحة نايٍ محزنه ..
من رجفة الموال .. من
تنهدات المئذنه ..
من غيمةٍ تحبكها
عند الغروب المدخنه
وجرح قرميد القرى
المنشورة المزينه ..
من وشوشات نجمةٍ
في شرقنا مستوطنه
من قصة تدور
بين وردةٍ .. وسوسنه
ومن شذا فلاحةٍ
تعبق منها (الميجنه)
ومن لهاث حاطبٍ
عاد بفأسٍ موهنه ..
جبالنا .. مروحةٌ
للشرق .. غرقى ، لينه
توزع الخير على الدنيا
ذرانا المحسنه
جدير بالذكر أن أشعار نزار والتي ربط فيها المرأة بالوطن، قد تأثرت أيضاً بما عاشته البلاد قب نكسة 67، وما بعد النكسة.
ففي ديوانه “الرسم بالكلمات” والذي تم كتابته عام 66 يقول في مفتتح القصيدة التي تحمل نفس الاسم طبعاً :
“عشرون عاماً فوق درب الهوى
ولا يزال الدرب مجهولا”
أما في عام 1986 ، فجاءت كل ألفاظه موجهة للوطن من خلال مخاطبة المرأة، تحثها على عدم الاستكانة والخضوع، وتحثها أيضاً على الثورة، فنجده بديوان “يوميات امرأة لا مبالية“، يستهل قصيدته بهذه الأبيات:
ثُوري ! . أحبّكِ أن تثُوري ..
ثُوري على شرق السبايا . والتكايا .. والبخُورِ
ثُوري على التاريخ ، وانتصري على الوهم الكبيرِ
لا ترهبي أحداً . فإن الشمس مقبرةُ النسورِ
ثُوري على شرقٍ يراكِ وليمةً فوقَ السريرِ