علي مر العصور كان للحكاية و القصة اثر عظيم لتعليم الإنسان، وقد استخدم القرآن الكريم وهو أبلغ الكتب وأحكمها هذه الخاصية في العديد من السور ليعلمنا من قصص السابقين . و أشتهر العرب بسردهم القصص فلا زلنا حتى الآن نذكر ألف ليلة و ليلة و السيرة الهلالية و حكاية الشاطر حسن و علاء الدين و غيره، حيث يُعد السرد أحد أهم أساليب التعليم للاستفادة و العظة من تجارب متعددة دون الحاجة لخوضها، و إذا كنا نتحدث عن مدى تأثيرها في المجتمع عموما فعلينا تسليط الضوء أكثر عن لُب المجتمع و أساسه ألا و هم الأطفال. أغلبنا نشأ و ترعرع علي حواديت ابلة فضيلة فكانت دائما الحدوتة هي احدى ذكريات طفولتنا و لكن الآن و مع تغيير وتيرة و ايقاع الحياة وتدخل التكنولوجيا في حياتنا بشتى الطرق فقد تكون اختفت الحدوتة المصرية في اغلب البيوت مع اختلاف الطبقات.
الحدوتة أم التكنولوجيا ؟ ما هو التأثير الفعلي لكل منهما؟!
دعونا نلقي نظرة على سلوكيات الأطفال في هذه الاونه، فكونك أم تعانين مع طفلك من العنف الدائم ضد اخوانه واصدقائه و تمرده بالإضافة إلى السلوكيات و الكلمات الغريبة المأتي بها كل يوم وتقفي حائرة أمامها.
سلكن هل سالتي نفسك يوما عما يشاهده طفلك في التلفاز وبالطبع لا اريد الاسم بل استفسر عن المحتوى هل شاهدت ما يشاهد ؟! هل عرفت ما المغذي وراءه ؟!
فعلي الرغم من أهمية التكنولوجيا ومساعدتها في مجال تعليم الأطفال وتطويرهم إلا أن كثيرًا منا تناسي ما تكمن من خطر كونها سلاح ذو حدين فأصبحت الأم اليوم تترك ابنها ذو الثلاث سنوات أمام التلفاز ليشاهد احدي القنوات العديدة المخصصة للاطفال أو ليلعب عبر الايباد او الهاتف المحمول كل ما يشغلها أن ينشغل عنها لتقوم هي بأعمالها وتكمل مهامها الكثيرة هي تراه سعيدا هادئاً و تصاب بالدهشة فيما بعد فمن أين يأتي بهذا العنف وهذه التعبيرات، و لكن عزيزتي العنف يتسلل إلى طفلك وهو امامك في المنزل عبر هذه الشاشة الصغيرة، فلا يغرك هذا الهدوء فالعاصفة قادمة لا محالة حيث تكمن خطورة ما يراه ابنك في هذا العالم الافتراضي المليء بالعنف فبعد انتهائه من المشاهدة حان وقت التنفيذ لكافة ما راى سواء مع إخوته في المنزل او مع اصدقائه في المدرسة أو النادي.
عالم الطفل الخيالي يرأسه دومًا الأبطال الخارقين و شخصيات الكارتون المحبب إليه أو أحد أبطال حدوتته المفضلة فهو سريع التأثر به فلا تتركي طفلك تحت تأثير رسائل مجهولة المصدر دون تقويم أو مراقبة، و عليه فبعد غياب الحدوته نظرًا لانشغال الأم فقد فقدت وسيلة ناجحة لتعليم و تقويم طفلها فهل جربت يومًا استغلال هذا التأثير لصالح طفلك، ما يميز الحدوتة والقصة هو تعزيز صفة ما لدي الأطفال وتعليمهم القيم فكانت تروي عن بطل يتحلى بالشجاعة والصبر وغيرهم من الصفات المحمودة و أن هذه الصفات ما جعلته بطلًا محبوبًا بين الناس وهنا عند محاولة طفلك تقليده لبطله سيكتسب شيئًا قيمًا أو يتخلى عن عادة سيئة اكتسبها ربما حاولتي أنت مرارًا وتكرارًا بالنصائح تارة و التوعد بالعقاب تارةً أخرى و لم يجدي نفعًا.
الحدوتة و دورها في التربية و تعديل السلوك
لم يقتصر دور الحدوتة علي المتعة أو قضاء وقت مشترك مع طفلك فحسب. علي الرغم من كونك تشاركين طفلك وقت مخصص له هو أهم واجباتك كأم . فسرد القصص يُعد من أهم أسباب التنشئة الصحيحة. إليك بعض التأثير التي تضيفه القصص على مهارات وسلوكيات ابنك:
- تطلق العنان لقدرة الطفل على التخيل مما يزيد قدرته الابداعية.
- تنمي مهاراته الإدراكية واللغوية.
- تنمية مهارات الإصغاء و آداب الحوار حيث تعلمه الاستماع للآخر.
- في أغلب الوقت يقوم الطفل بإعادة قص القصة مما يقوي لديه الذاكرة.
- تعمل علي زيادة التركيز فعنصر التشويق يجعله منتبه طوال فترة القصة معيرك انتباهه.
- تكسبه خبرة حياتية واسعة عن طريق عرض المشكلات وطرق حلها.
- تساعد على زيادة مستوى الذكاء لدى الطفل.
- تساعد الطفل على اكتساب مفردات جديدة مما يقوي حصيلته اللغوية.
- تعديل السلوك الغير مرغوب فيه لدى الطفل.
- تمكنه من التعبير عن مشاعره وعن ما يواجه من مشكلات.
عالم الحواديت بمثابة عالم افتراضي لطفلك و لكنه العالم المحبب إليه يلتقي من خلاله أبطاله المفضلين يعيش مع ما يسمع في خياله مما يجعله ينطلق بعيدًا بخياله و هو على عكس ما تفعله شاشات التلفاز و الأجهزة الإلكترونية حيث تعمل على كبت حس الإبداع لدى الطفل مكتفيًا بالتلقين فما يراه هو الصورة الوحيدة لما يسمعه ليس هناك مجالًا للتفكير.
ابنك بطل حدوتك
الطفل العنيد لا يتقبل النصيحة المباشرة فهو عادةً كاره لصيغة الأمر مطلقًا و بالتالي تعنتك أمامه على سلوك ما يزيد من احتمالية فعله وليس العكس، الطفل أذكى بكثير مما تتوقعين في أغلب الأحيان يستطيع هو فك شفرات شخصيتك وتحديد نقاط ضعفك والعمل عليها؛ كأن يرى مدى عصبيتك عند لعبه في مفاتيح الكهرباء فبعد ابدائك لردة فعل حادة تجديه يكرر الفعل محاولاً الضغط عليك في أمرٍ ما .وعلى الصعيد الآخر فالكثير من الآباء لا يستطيعون التعامل مع أطفالهم؛ بصورة أدق لا يستطيعون تحليل شخصيته والتعامل مع ردات فعله بطريقة سليمة.غالبًا في مثل هذه الحالات المواجهة المباشرة والأوامر الحادة هي أسوء خيار تقومين به ،هل جربت يومًا أن توجه له الرسالة بطريقة أخرى كأن تحكي له قصة يكون هو موضع البطل فيها كل ما عليك الآن أن تحددي ما هي الصفة أو السلوك الغير مرحب به وتريدي تعديله ابحثي عن قصص لها نفس المغذي، ابحثي عن شخصيته الكرتونية او بطله المفضل واجعليه بطل لحدوتك. ابنك الان منصتا جيدا يراقب ما يقال ويستقبله في هدوء ومما لا شك فيه انك انت الاخري اهدي الان و تستطيعي إرسال ما تريدي منه سماعه دون أن يسيطر عليك الغضب و عليه العند.
وسائل تحفز نجاح سرد حدوتك
بعد أن حددتي الهدف من القصة، و الشخصية المفضلة لطفلك فهناك أيضًا بعض العوامل الأخرى ينبغي عليك مراعاتها فطريقة السرد تختلف باختلاف الفئة العمرية ولكن في العموم عليك اختيار نوعية من القصص التي تتناسب مع شخصية طفلك فعلي سبيل المثال إن كان يحب الخيال والمغامرة او يهتم بالحيوانات أو الأسماك أو غير ذلك. فعادةً يفضل الإعتماد على وسائل للإيضاح كالصور والمجسمات فالألوان و الأشكال تجذب انتباه الطفل و تنشط ذاكرته. استعملي أسلوب الحوار معه فالحوار من جهتك فقط و هو مستمع طوال الوقت قد يجعله يشعر بالملل أو يشتت انتباه و لكن إن خلقتي معه حوار تشاركيه فيه كأن تسأليه عن رأيه في هذا التصرف؟ ما ستكون ردة فعلك ان كنت في هذا الموقف؟ هل تظن انه تصرف بصورة لائقه؟ من الجدير بالذكر أن هذا الحوار يكشف لك الكثير عن شخصية طفلك فتستطيعي التعرف على مشاعره وردات فعله تجاه الأمور مما يجعل التعامل معه بشكل أفضل. علاوة على ذلك عليك مراعاة مستوى طفلك الثقافي تبعًا لعمره فلا تستخدمي كلمات أكبر من سنة فلا يستطيع إدراك المغزى منها واعتمدي أكثر على الكلمات ذات المضمون المادي الذي يستطيع فهمه وإدراكه.في النهاية دعي له مجال وضع نهاية مختلفة للحكاية إن أراد و اسأليه عن السبب،ولا بأس أن تجعليه هو الآخر يخبرك قصه هذا الأمر يعزز ثقته بنفسه وشعوره بأنه قام بدورك يجعله يشعر باحترامك لشخصه مما يكسبه الرضا ويجعله يشعر بالمسئولية.
ليه “حدوتة قبل النوم” ؟!
اختيار التوقيت لا يقل أهمية عن اختيار الموضوع وطريقة السرد،نعلم كم العبء و المهام التي تعاني منها كونك امرأة عاملة أو ربة منزل و أم، المسؤوليات كثيرة نعم ولكن كونك أم تعني الكثير لطفلك و خاصة في مراحلهم الأولى فأنت العالم أجمع في عينه منك يستمد القوة وانت منبع الحب والاطمئنان له، لذا عليك التذكر دائمًا أن بناء عقلية طفلك وتقويم سلوكه في مراحله الأولى هو الأمر الذي لا يحتمل التأجيل أو التأخير فكل يوم يمر به في سنواته الأولى مسئول عن أعوام عمره الباقية. خصصي وقت له وحده استمعي إليه جيدًا انظري إلى الأمور بعينه واحترمي عالمه الصغير هذا الأمر يزيد الترابط بينكم و لا تنسي ابداً انك نافذته للعالم. عليك اختيار التوقيت المناسب من وجهة نظرك الذي يعيرك فيه الطفل انتابه. جرت العادة على أن وقت الحدوتة هو قبل النوم،إن كان هذا التوقيت يناسبك أنت و طفلك يمكنك تخصيصه اذاً.
فبعد يوم ملئ بمهامك الشاقة والضغوط التي تقودنا كثيرًا لفقد السيطرة على أعصابنا فأنت بحاجة إلى لحظات دافئة و حان الوقت لتحظى ببعض المتعة مع صغيرك اجعلي آخر ما يستقبله في يومه هو ابتسامتك وقربك منه ودرس جديد يكتسبه؛ فليكن كنهاية سعيدة لكما؛ و لتكن رسالة المساء: “سأظل احبك دائما، اتقبلك رغم اخطائك،آسفة على أخطائي”.
واخيرًا، عالم طفلك برئ وبسيط فكوني الأقرب إليه و كوني حريصة على ما يستقبله.