لمن لم يجد طريقه
أكذب لو قلت أني بدأت أكتب و أنا أعرف ما ستحمله هذه الصفحات من كلمات، لكني أردت أن أكتب فقط أفكار تجول في خاطري منذ زمن بعيد.
لا أعرف من أين أبدأ حقيقة، لذا سأنطلق مما أعرفه أو لا أعرفه بالأحرى، بعد الكثير من الأحداث التي مرت علي كان من المفترض أن أكون قد وجدت طريقي الآن، للأسف لم أفعل و مازلت أبحث عنه لأنه باعتقادي إن كنا سنعيش مرة واحدة فمن المفترض أن نعيش بالطريقة التي نريدها، نحبها، نبذل ما بوسعنا من أجلها و نتعلم العطاء من خلالها، هذا ما نحن موجودونا من أجله و بهذه الطريقة نستطيع أن نشارك الآخرين ما أعطاه الله لنا و نعبده على أكمل وجه، فإني أظنه يحب أن يرى أثر نعمه على عبده. هنا سيقول العديد منكم ما قلته لنفسي من قبل و سمعت الكثير غيري يقوله ” أنا لا أعرف ما أريد”، حقيقة كنت جالسة يوما ما أفكر كيف للغرب و أغلب شعوب العالم أن تولد بمواهب لا تعد و تحصى و نحن كعرب لا نجيد فعل أي شيء – طبعا مازال هذا الأمر يؤلمني – و لكن كإجابة على هذا السؤال أقول أننا حقا نولد و نعيش و نموت و لا نعرف من نحن. و لكني أؤمن إيمانا قاطعا أن الله ميز كل شخص منا بشيء ما و طبعا لاجتماع العديد من الأسباب و الظروف في طريقة حياتنا فإن أروحنا التي تعشق الحرية و الإبداع تطمس و تتلاشى و لا يبقى منا إلا جثث ساومت على قوت اليوم و الزواج و غيرها من ضرورات البقاء، وهي أشياء تفعلها الحيوانات غريزة فيها – أكرمكم الله -.
في مرحلة ما من حياتنا نفقد من نحن نظرا للكثير من الأفكار الخاطئة المحيطة بنا، نحن لا نستطيع أن نفعل ما نحب لأننا نحاسب عن كل حركة تتعارض مع فكر المجتمع و عاداته و لا نرى حتى إن كانت تتعارض مع ما شرعه الله لنا فنرفض كل ما لا نستطيع أن نتعامل معه أو ما يخيفنا لأننا أولا و أخيرا لم نستطع أن نتعامل مع ديننا كشريعة قابلة للتأقلم مع الوقت و المكان و بدلا من ذلك حولناه إلى عادات ساذجة أفرغت من محتواها، لست هنا لأتحدث كواعظ غير أني أريد أن أتحدث كشخص يتألم لما يراه و يحاول أن يحلله بما يعرفه. لذا فإنهم يحولونك لشخص تبحث عن وظيفة تتلقى منها أجرا مضمونا فتخشى ما تحب لأنه مجهول و غير مضمون فننسى أنفسنا بمرور الزمن، و تعقيبا مني على هذا فإني أظن لو آمنا بالله حقا كما ندعي لعرفنا أن لا أحد منا يموت منقوص الرزق، إذا لما نخشى من نحن و ما نريد لعلنا كنا سنغير العالم لو آمنا حقا بأنفسنا و عرفنا ما نريده من وجودنا هنا، و أنا أظنك لو سألت أي شخص اتبع هذا النمط الساذج من الحياة إن كانت هذه الطريقة التي أراد أن يعيش بها لأجابك ألف مرة “لا”.
أعتقد أنه لو استطاع كل منا أن يصل إلى أعماق روحه لوجد طريقه في الحياة بسهولة بالغة. صحيح أننا نتناسى من نحن مع الوقت و ندفن الكثير من الميزات بداخلنا لكن ماذا لو كانت هناك طريقة ما للتواصل مع ذواتنا الحقيقية و استطعنا من خلالها أن نسبر أغوار أنفسنا فنعرف من نحن حقا بغض النظر عن كل فكرة أتتنا من محيطنا الخارجي، ماذا لو استمعنا إلى شعورنا، ذلك الصوت الخافت الذي أسكتناه. رغم أني لا أعرف كيف لكني أعرف أن الله لم يخلقنا عبثا، و أوجدنا هنا لنقدم أفضل ما لدينا في الحياة لنشارك الآخرين و نوجد عالم أفضل يستحق العناء، عالما مليء بالإبداع و العلم والرقي، نشرف به ديننا ووجودنا.
لا أعرف حقا إن كانت الكلمات قد تغير الكثير، غير أني أحلم بوطن أفضل و حياة أفضل، حياة أستطيع من خلالها أن أقدم شيئا لوطني و أستطيع أن أساهم بنهضته و رقيه، أن ألقى الله فأقول له إني بذلت ما بوسعي. أردت أن أغير فكر أمتي ولكني ارتأيت أني أريد أن أغير نفسي أولا فأكون من أنا حقا و بعدها أسعى لتغيير من حولي، وصلت لمرحلة في حياتي أين لم أعد أستطيع أن أفعل الأشياء فقط لأنه يجب، سئمت حقا من فكر مجتمع لا يعرف كيف يتعامل مع الحياة و لست هنا لأقول أني أعرف لكني أريد أن أعيش بمبدأ بسيط هو “أني أستطيع أن أفعل ما أريد مادام لا يتعارض مع عقيدة الله و قوانين الدولة التي أعيش فيها” أليس شيئا مسموحا أو مقبولا؟ هل يتعارض مع المنطق؟ عندما ضعت بين نفسي و نفسي و لم أعد أستطيع أن أتعامل مع الحياة كما أعرفها أو عرفوها لي، انسحبت منها و لم أرد أن أكون طرفا فيها، لم أعد أريد أن أخطو خطوة أخرى إلى الأمام و أنا لا أعرف إلى أين أنا ذاهبة أو ماذا أرجو من الحياة، فد يبدو ما أقوله كلام شخص يائس من الوجود لكني درست وكنت الأولى على دفعتي ليس لأنني كنت أحب ما أفعل بل فقط لأني كنت أحب أن أتفوق في كل شيء أفعله، أن أعطي أفضل ما أملك و كنت هكذا طيلة حياتي و تخرجت الأولى و حصلت على عمل بعد شهر فقط بمرتب جيد، هذا كل ما يتمناه الآخرون في الحياة لكن ليس أنا للأسف، عملت لثمانية أشهر بدت لي وكأنها ثمان سنوات لم أستطع أن أتحمل ذلك العمل لم أطمح لأي شيء منه حتى النقود التي كنت أحصل عليها لم تستطع أن تخفف عني إحساس أني كنت أستيقظ كل يوم، أذهب إلى مكان أبعد ما يكون عما أرجوه و أعطي ثمان ساعات من حياتي لعمل لا أؤمن به من قريب و لا من بعيد و لا يوفر لي أي نوع من أنواع الراحة، هناك رأيت أقصى ما يمكن أن أصل إليه “دورة مفرغة من الأكل و الملبس و العمل”، في ذلك المكان تدفن الحياة و الأحلام و الأمل، هناك أحسست أني أفقد كل يوم شيء من نفسي و مما أعرفه عن الحياة و في الحقيقة لم أستطع أن أتعامل مع الأمر و لم أتقبله على الإطلاق، ربما في رأي الكثيرين قد أخطأت و ربما انسحبت مبكرا، الآن تكون مرت أكثر من سنة عرفت خلالها الكثير عن نفسي و ما أستطيع و لا أستطيع فعله، قيمت الكثير من القرارات التي اتخذتها في حياتي و عرفت أني أخطأت في جلها، في ما يخص قوانين البشر مازال هناك وقت لإصلاح ما تضرر، و لكن في قوانين الله فنحن لا ندري حقا إن كنا نملك الوقت لتقويم كل ما أفسدنها و مع ذلك نملك الرجاء و التوبة و الرغبة الصادقة “فلك امرئ ما نوى” ففي النهاية الأمر يعتمد على صدقنا و قدرتنا على التحمل، تحمل الحياة التي نرجوها وهل ستكون الأفضل لنا، فإني أعتقد أننا إن سألنا الله، صدقناه و عملنا من أجل ذلك فسنصل بإذنه سبحانه لا محالة ولكن فقط عندما يكون الوقت مناسبا، ففي النهاية الحياة لها طرقها الخاصة في تعليمنا و إيصالنا إلى ما نريد لكن في الوقت المناسب فقط و فقط.
مازلت أشعر بالألم و الضياع أحيانا لأن الإصلاح صعب و يأخذ وقت طويلا و خاصة إصلاح ما أفسدناه في علاقتنا مع الآخرين و إصلاح أروحنا و ما بأنفسنا “فجهاد النفس أعظم”، فقبل أن نحمل أي أفكار عن العالم و إصلاحه علينا دائما البدء بأنفسنا لكي نستطيع أن نستمر في الحياة برؤية واضحة و خطى واثقة دائما في الغد و ما تحمله الحياة حتى وإن كان ألما يجب دائما أن نتحلى بالإيمان و نتكفل فقط بإصلاح ما بذاتنا من علل و هذا على ما أعتقد سيسمح لنا بمعرفة ما نريده حقا في الحياة و منها.