موسيقى التسعينات فى كل زمان ومكان وفى جميع انحاء العالم تضع ملامح جيلها، وتعبر عن صانعيها، طريقى التفكير، الثقافة، الاحلام، أى إضطرابات تحدث فى سياسة دولة او أى أزمات بصفة عامة سواء على المستوى الدولى او المحلى تؤثر بشكل كبير جداً فى الموسيقى، ولكن بالطبع يوجد الكثير من الفترات المميزة فى تاريخ اى دولة من حيث الفن بصفة عامة والموسيقى بصفة خاصةومن أهم وأبرز هذة الفترات بالنسبة للموسيقى المصرية هى فترة التسعينات ،وهذا لإسباب عدٌة.
موسيقى التسعينات صرخة إعتراض فى وجه المجتمع
فى هذة الفترة على وجه الخصوص كانت مجتماعاتنا العربية بصفة عامة متعلقة حد العبادة بالفن الشرقى الأصيل والقليل ممن حاولوا التسرب لهذا النسيج وأخذ مكان واضح فيه كالفنان هانى شاكر وعماد عبد الحليم كمثال، أما من يحاول الدخول بشكل مختلف أو فكر جديد فيُطرد شر طردة، ولا فن إلا القمم التى إعتدنا عليها وهى بالفعل قمم لا يمكن مسواة أحد بفنها، ولكن بالطبع يمكن الإستماع للمزيد والسماح لمواهب أخرى بالصعود، ولكن الخذلان من الأساتذة فى مجال الفن طال كل المجالات الأخرى، وبدأ الشباب يكفرون بإمكانية إيمان الكبار بهم، وخرجت موسيقى التسعينات صرخة فى وجه الكبار، وتأكيد لوجود جيل كامل بفنه ولونه الجديد ومواهبه التى تفرض نفسها على الساحة وسط الإعتراض العارم من الأساتذة إلا من رحم ربى.
دعم الشباب لموسيقى تمثلهم
خرجت موسيقى التسعينات لترسم ملامح الشباب فى هذا الجيل، الخذلان والإهمال والإتهاام الدائم بالتفاهة وقلَة القيمة وعدم الفلاح، من نهاية الثمانينات وخرج علينا حميد الشاعرى وهشام عباس بموسيقى لا يفهمها سوى جيلهم ولنترك من يريد الإعتراض يعترض كما يحلو له، وصدحت موسيقى راجعين لعمرو دياب تصرخ فى وجه الجميع بلا إكتراث، عمرو دياب الذى عرف كيف يأخد الموسيقى لوجّهة أبسط وأروع ولا يستطيع الكثيرين تقديمها أيضاً، والعديدين الذين خرجوا علينا ليعلنوا مواهبهم ويسرقوا قلوبنا التى طارت خلف موسيقاهم، إيهاب توفيق ، محمد فؤاد، راغب علّامة، وغيرهم الكثير والكثير.
السيطرة التامة لموسيقى لمست القلوب
بدأت كل موهبه ترسم طريقها وخطها كما تراه واضحاً أمامها، وكل منهم مؤمن تماماً بما هو عليه فخرج عمرو دياب بكل حداثته ليعبر عن جيله بكلمات بسيطة خفيفة ولكنها حقيقية جداً ودافئة وقريبه للغاية، وموسيقى هى السهل الممتنع كانت تلمس القلوب وتتسرب داخل أرواحنا بخفة وبساطة تجعلنا نسلٌم له من أول نغمة، عمرو دياب الذى تحدى الجميع بالبساطة والحداثة والإيمان بجيله بلا عقد، وهشام عباس الذى عرض كل ما يوجعنا ويضغط على أرواحنا بموسيقى مبهجه وخفيفة تهون ما نبتلعه من مرار، عبر عن كل ما نعانيه ويكسر قلوب الشباب من خذلان ويأس وحب وأمل ووداع حتى قال ببساطة معهودة فى الوداع ( أنا بس عاوزه يكون فاكر إن اللى كان ميندمش) هكذا عبر لنا أن وإن كان الوداع مفروضاً فلا داعى للخجل فعلاقتنا وإن لم تبقى ولكنها عزيزة غالية وتدعو للبسمه وليس للندم وبهذا خفف عنا هشام عباس الكثير من كل ما كنا نعانى ووضح لنا أنها ليست نهاية الكون.
محمد منير وموسيقاه
محمد منير كان طريقه الأصعب على الإطلاق، عافر محمد منير لإبراز فن وموسيقى كانت غير معروفة إلا لأهل النوبة، ولكن منير كان يرى ان هذا الفن الذى يخص جزء عزيز من مصر يستحق الإنتشار، وكان يلزمة جهود كبيرة لتخطى حاجز المسافة، اللهجة، الثقافة، التعود وربما اللون أيضاً كانت صرخة منير عالية ومُوجعة ولكنها وصلت فى كل الأحوال وخرج علينا بألبوم شبابيك ليمس القلوب ويحفر طريقه بوضح، وكان حريص على إستخدام الموسيقى النوبية وأحيانا إدخال اللهجة فى جزء من الأغنية أيضا، فلا أحد ينسى * سو ياسو حبيبى حبسوه* أو *هى شمندورة من قنا* والكثير جدا مما أمتعنا به منير، غنى أيضاً من التراث العديد وأحياه على سبيل المثال *إدحرج إجرى يارمان* وهكذا كان منير ملك المجددين بلا خوف أو تراجع أوحتى إستسلام لثوابت الفن فاستحق عن جدارة لقب الملك.
موسيقى التسعينات رسمت ملامحنا للأجيال القادمة
ستظل موسيقى التسعينيات من أكثر و أثرى الفترات الموسيقية، والتى عبرت بصدق وإخلاص عن جيلها بكل تفرده وبساطته وحتى إضطرابه وتخبٌطة وسط ثورة تكنولوجية مخيفة، لذلك ستظل هذة الموسيقى تؤرخ لمراحل حياتنا وتلمس قلوبنا كلما سمعناها وسنظل أوفياء لها ولذلك تفوز موسيقى التسعينات عن اى فترة موسيقية أخرى لأنها كانت صادقة، ومخلصة فى رسم ملامح جيلها بحب وتفانِ. أين مستمعي الموسيقي الان؟