الأغاني الشعبية
لم نفكر فى ان نبحث عن اصل الأغاني الشعبية وكيف انشدت
لكن الكاتب جاستون ماسبيرو اقدم على هذا وروى لنا فى كتبه عن كيفيه جمعه لهذه الاغانى
ورحلاته الى اعماق الريف والصعيد للبحث عن اصل الاغنيه ومن غناها ومن آلفها
مقدمه من كتاب جاستون ماسبيرو
محاولات لم يكتب لها النجاح
يغني الشعب كثيرا في مصر ، في المنزل و في الاحتفالات الخاصة، في الحقول و على ضفاف نهر النيل والاحتفالات العامة ،
ولقد حاولت أن أجمع بعض هذه الأغنيات التي كنت قد سمعتها إبان إقامتي الأولى في مصر ما بين عامي ( 1881 – 1886 م ) ، و لكني أخفقت ؛
فليس هناك أصعب بالنسبة للأجنبي من أن يفهم تلك الكلمات التي يطلقها- في عنان الفضاء – الفلاحون على الشادوف أو على السواقي ، أو التي ترسلها حناجر المغنين المحترفين في قوة ، أو في رتابة حينا ، و بصوت كأنه صادر من الأنف أحيانا أخرى ،
و منذ أول رحلة تفتيشية قمت بها بعد عودتي في يناير عام 1900 م
عدت إلى فكرتي السابقة ، واستعنت بخدمات سكرتيري المصري الذي اصطحبته معي ،
ولكنني واجهت مصاعب لم تكن في الحسبان ، فقد كان الرجل يفهم ما يسمعه جيدا و وافق أن يعيده على مسامعي ،
إلا أنه رفض أن يكتبه وكنت إذا اضطررته إلى كتابته شوهه
وكان من الأسباب التي رفض من أجلها إعطائي النص الصحيح هو استخدام العامية المطلقة لبعض الكلمات ،
و عدم تمكنه من قواعد النحو ، و بذاءة بعض الأفكار بالإضافة إلى الأخطاء الموجودة في الأبيات أو في وزنها
فاستغنيت عن خدماته بعد تجربة أو تجربتين .
و من ناحية أخرى ؛ فلقد كان من المستحيل عليّ لقصر المدة التي كنت أمكثها في ناحية من النواحي
أن أقنع الفلاحين أنفسهم أو المغنين المحترفين بإملائي – أو على الأقل – بترديد كلمات أغنياتهم أمامي ببطء ؛
إذ رفض البعض ذلك بدافع من بلاهة ! أو خجل لاعتقادهم أني سوف أهزأ بهم ،
أما البعض الآخر فقد كانوا يخشون أن أتخلى عن مساعدتهم أو أن أتوقف عن مدهم بالمال عندما أحصل على ما أريد !!
وهكذا مرت أربع سنوات دون أن أتوصل إلى نتائج ذات قيمة .
بداية التدوين
وفي عام 1903 م حصلت على سكرتير جديد من أصل سوري يدعى نصري نصر كان قد تعلم في مدارس اليسوعيين و أظهر استعدادا أكثر – من سابقه – على تفهم أهمية دراستي و على مساعدتي في متابعتها
و كان علينا أن نستخدم لقيادة ” الدهبية ” التي تقلنا أحد ” المراكبية ” المعروفين بإجادتهم للغناء
و معرفتهم لعدد كبير من الأغاني – دون أن يكون الرجل محترفا – وذلك لكي يرفه عن المجموعة
و ليخفف من ملل الساعات الطويلة التي كان علينا أن نقضيها كل يوم فوق سطح الماء .
وقد رجوت السيد” نصري ” في أن يدون كل ما يردده المغني لمدة عام 1903- 1904 م ،
وقد كان في بادئ الأمر يتردد في كتابة بعض المقاطع المحتوية على أخطاء لغوية أو يحاول تصحيح بعض الألفاظ
أو أوزان الأشعار ، ولكن بعد أن أفهمته وجهة نظري جعل من واجبه أن يتوخى منتهى الدقة في تدوين ما يسمعه
كما هو و بنفس اللهجة التي ينطق بها.
وكان أن قدم إليّ نصوص أكثر من مائتي مقطع ( أغنية ) وهو يعد – على ما أعتقد – مجموع ما يغنيه ” المراكبية ” في النيل.
ثلاثة لهم الفضل فيما جمعت من الأغاني الشعبية
وفي أثناء متابعتي لأغاني النيل كان هناك اثنان من المفتشين المحليين يجمعون لي الأغاني من المناطق المختلفة ،
و أذكر على سبيل الذكر السيد / محمود ( أفندي ) رشدي ؛ الذي جمع لي مجموعة كبيرة من الأغاني التي يغنيها المسلمون ليس في أسفل” طيبة” فحسب ؛
ولكن في مناطق رئيسية من الصعيد حتى البلينا .
والسيد / توفيق بولس ، مفتش آثار المنيا و أسيوط الذي جمع بعض الأغاني الشعبية من مدينة أسيوط
و أضاف إليها بعض الأغاني الشعبية الخاصة بالمسيحيين ، و كانت حصيلته لا تتعدى 20 قطعة
وهو عدد أعتقد انه لا يفي بإعطاء صورة كاملة لهذه المناطق التي تعد من أغنى المناطق في الصعيد و أكثرها سكاناً .
و إنني أرجو أن يأتي بعدي من يحاول أن يكمل هذا العمل الذي بدأته و أن ينفذ ولو جزءا صغيرا من هذا الأدب الشعبي المهمل حتى ذلك الحين .
ولقد كان عليَّ أن أسرع في تلك المحاولة فمصر تتطور بسرعة كبيرة و كثير من العادات التي كانت منتشرة
أثناء زيارتي الأولى قد اختفت أو هي في سبيلها إلى الاختفاء بأغانيها المصاحبة لها.
و يجب أن أذكر السيد / Baraize و هو فرنسي يعمل بمصلحة الآثار ،
فقد تكرم بكتابة بعض الأغنيات التي كان يرددها العمال أثناء قيامهم بالحفر أو بترميم بعض المعابد
وهي تعد من أهم ما قدمته في هذه المجموعة من الأغاني الشعبية ..
و كثير من الأغاني الشعبية التي أقدمها في هذه المجموعة ألفها شعراء المدن ولم تكن شعبية في نشأتها
ولكنها أصبحت كذلك بواسطة المغنيين المحترفين ، وهذا حال كثير من الأغاني التي جمعها السيد / نصري .
أما الأغاني الأخرى ؛ وهي أغاني الأفراح والحج و ألعاب الأطفال و أغاني العمل في الحقل و البكائيات
فهي جميعا نابعة من الشعب نفسه ؛ فنحن نلاحظ أنه بمقارنة هذه الأغاني بغيرها فإننا سنجد أن المجموعة الثانية
تتميز بألفاظها الخشنة و وزنها العنيف .
وسوف أبدأ بتقديم تلك المجموعة بأن أعطي النص العربي و طريقة نطقه و ترجمته الحرفية بالفرنسية على قدر المستطاع.