الأحاد القادرة
فردية ” الأثر”
كونك وحدك ليس ضعفا إن الله خلق العباد فرادي و يبعثهم يوم القيامة كذلك “وحيدين” لكل منهم صحيفة الجزاء ، و لكن هذه الفردية في الحساب و الخلق ليست هي الفردية الوحيدة التي يتعرض لها الإنسان في حياته ، هناك أيضا فردية ” الأثر”.
رغم سنن الله في الكون و أنه جعل العباد أمم و حتي الحيوان و الطير تعيش في تجمعات و مجاميع
“وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ” _ الانعام
إلا أن هناك في بعض الأحيان تفرض علي المرء فيه فردية ” السعي” و بالتالي فردية ” الاثر”
يقول أحد أهل العلم “علمني القرآن أن أثر الشخص الواحد ممتد جدا.. وأن أعمالك -مهما صغرت- قد تكون عميقة التأثير؛ تأمل كيف أن حياة إنسان واحد كأنها حياة جميع البشر: ﴿ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾ _ المائدة
.. وكيف أن الآلاف قد يجدون الشفاء والإلتئام عند شخص واحد: ﴿وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون؛ فآمنوا﴾ _ الصافات. ”
فكونك فرداً وحيدا لا يعني بالضرورة انك ضعيف أو بلا أثر بل يعني أن عليك المزيد من السعي المزيد من العبء المزيد من المسؤلية فما تحمله انت من نور ليس في سراج غيرك و ان ما لديك قد يغير مجري العالم طالما ما عندك انت متفرد فيه.
فكر واحد صنع تاريخ
يقول جبران خليل جبران
كل شئ عظيم وجميل في هذا العالم يتولد من فکر واحد أو من حاسة واحدة في داخل الانسان .
كل ما نراه اليوم عن أعمال الأجيال الغابرة : كان قبل ظهوره فکرا خفيا في عاقلة رجل أو عاطفة لطيفة في صدر امرأة .
الثورات الهائلة التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تعبد كالآلهة كانت فگرأ خياليا مرتعشا بين تلافيف دماغ رجل فرد عائش بين ألوف من الرجال والحروب الموجعة التي ثلت العروش وخربت الملك كانت خاطرا يتمايل في رأس رجل واحد والتعاليم السامية التي غيرت مسير الحياة البشرية كانت ميلا شعريا في نفس رجل واحد منفصل بنبوغه عن محيط فكر .
فرد أقام الأهرام وعاطفة واحدة خربت تروادة وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام وكلمة واحدة. احرقت مكتبة الاسكندرية ” .
دعوة للنظر في قيمة الفرد
هذه ليس دعوة للفردية فبغير الناس لا تستوي أحوال الفرد فالكل في إحتياج للأخر و الكل يكمل سلسلة الإنسانية بما يقدم في وعاء التاريخ الإنساني من إسهام وإنجاز لتكن هذه دعوة للنظر مرة أخري في قيمة الفرد الواحد في قدرته في ما يمكنه أن يفعله وحيداً.
دائما أتذكر ذلك الرجل الذي جاء ينادي قومه وحيداً لكي يلبوا نداء المرسلين خوفا منه عليهم و إشفاقا منه عليهم كم عاني ليصل ؟ وكم عاني لوصل رسالته ؟!
“وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ”_ يس
و تلك مريم في غارها تعبد الله و تبتهل وحيدة لكن معية الله و لطفه يحتويها و يقين يملأ الدنيا بين جنبيها تحمل طفلاً بلا والد ليهب للعالم النور و المحبة و السلام و الحق
“وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ”
و هذا ابو ذر الغفاري الرجل الوحيد الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و سلم “رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ” _ رواه الحاكم في المستدرك
كم لهذا الرجل من أثر في حياته من أحاديث و دعوة و لكنه مات وحيداً في فلاة من الأرض بلا نعي أو نعش أو جماهير تشيعه أو مآذن ترفع أصوات الدعاء له .
لطيف الأثر طيبه و لو كنت وحدك
إن الله خلق العباد ليحاسبهم علي أعمالهم لا من حولهم ، خلقهم ليختبرهم و بعض الإمتحانات عليك أن تخوضها وحدك تسعي في الأكوان لتري الحقيقة و النور و تلقي الله خفيف حفيف لطيف الأثر طيبه و لو كنت وحدك .
يقول الإمام علي :
” وتحسب أنك جرم صغير و فيك انطوي العالم الاكبر ”
و ما عليك بالعالم و أنت العالم ! ، و ما عليك بالناس و قد تكون ما في يدك ليس عندهم ، و ما عليك بالخلق و انت متصل بحبل الله موصول بيقينه ، راض بفضله و منه .
فاللهم اجعلنا من اإحاد القادرة لا الجموع العاجزة …و لله عاقبة الامور .