“عصر الحب”.. جسدت الصرخة الأولى لتمرد الحب على المتغيرات الثابتة
لقد كان نجيب محفوظ من الأدباء المصرين الذي حظوا باهتمام فني عالي من أجل تحويل أعمالهم المسطورة إلى صورة مرئية. ورواية مثل ” عصر الحب ” بالذات تشعر حين تقرأها وكأنك أمام تحفة فنية فريدة، ليس لها مثيل.
ولحديث أكثر على ما تحتويه الرواية من مضمون، وأحداث إليكم الأسطر القادمة.
عصر الحب بتوقيع مخرج الروائع حسن الإمام
أبهرت الرواية المكتملة الأركان بكل تفاصيلها مخرج الروائع ليقدمها للسينما في نسختها الأولى عام 1986، ليقوم بتجسيد أحداثها محمود يس، وسهير رمزي، ومجدي وهبة، وتحية كاريوكا وعبد المنهم إبراهيم ، وعظماء آخرون من زمن الفن الجميل.
والقصة في أحداث الفيلم تركز على ذلك الصراع القائم بين حمدي الفنان والممثل، وعزت على الفوز بقلب بدرية، حتى تهرب بدرية مع حمدي وتتزوجه.
وتتوالى الأحداث التي تحاول فيها أطراف كثيرة الإيقاع بين بدرية وحمدي ، تنتهي بالزج بكليهما في السجن، وتدهور حالهما، حتى أن الأحداث تنتهي على أن كل منهما يصطدم بالآخر ولكنه لا يعرفه.
ونشعر أثناء مشاهدتنا للفيلم أن مخرج الروائع يعرض أبرز وجوه الحب، الجاذبية المطلقة على الوجوه، والتي ما إن تقترب منها تحترق، تماماً مثل حال الحب.
حتى مع اقترابك من بيت السيدة عين في الحارة الشعبية، وحالها الذي لا يشبه أحداً، إنها أبلغ وجوه الحب فهي أم، تشعر معها وكأنها أم للحارة كلها، وليس عزت فحسب
وفي حال كل من أبطال القصة خط درامي يبرز الحب في مختلف انفعالاته، في كبريائه، وفي صموده، وفي ضعفه، وفي جبروته، الحب ذلك الشعور القوي الذي يحيلنا دائماً إلى أشخاص أخرى.
ثم تضعك الأحداث المتسلسلة في تحدي آخر: فهل المضمون من القصة هو إهمالنا لحقيقة الحب التي نعيها جيداً، شعور قوي يوجد بداخلنا، ولكننا لا نشعر بقيمته الحقيقية بسبب السعي وراء أهواءنا واحتياجاتنا؟ أم أن التمرد على ما فات والسعي نحو الحياة مع من نحب مهما تكلف الأمر هو الحب؟ بمعنى آخر.. هل هناك ثمة جانب مشترك بين الحب والأنانية؟
جدير بالذكر أنه تم تحويل الرواية إلى مسلسل تليفزيوني في عام 1983 من بطولة سميحة أيوب، وصلاح السعدني، ورغدة، وصلاح قابيل ومن إخراج يوسف مرزوق.
شخصيات رئيسية وأحداث الرواية
تبدأ الأحداث بتخيل المؤلف لصوت راوي يحكي عن الحارة التي طالما أحبها نجيب، وسرد أدق تفاصيلها بشكل ممتع في رواياته.
ثم ينتقل إلى بطلة الرواية وهي والدة عزت أو (الست عين) والتي ترفض الزواج، وتحيا على تربية
عزت، وهو لا يستطيع أن يفعل شيء لاتباعه لأمه التي يستمد منها قوته.
وفي المقابل يحاول عزت التقرب من بدرية التي ترفضه، لأنها تحب حمدون، وتكون النتيجة أن
تتحول صداقة حمدون بعزت إلى عداوة كبيرة.
ويتسبب ذلك في إيقاع عزت بسيدة للتنفيس عن غروره، وسنوات بلوغه، مما تلجأ مع الست عين
إلى مواجته بما حدث وأمرها أن ينفذ ما تقتضيعه الأصول، وما يرضى به شرع الله.
ويتزوج عزت من سيدة التي تحمل بإبنهما سمير، رغم فتور العلاقة التي دائماً ما تلقاه من عزت،
والذي كلما حاولت الابتهعاد عنه، والعودة إلى بيتها وجدت من السيدة عين ما يردها مرة أخرى لبيتها.
ونجد في المقابل رحلة سعي درامية، ليست بالعبثية أبداً، فتطور الحال بالنسبة للشخصيات، وردود
أفعالها، وما يحدث معها محسوب. فنحن نجد سعياً من حمدون وبدرية في الوصول إلى قمة الفن،
رغم ما يتعقبهم من عدم تقبل المجتمع حولهم للأمر، ومن جهة أخرى ما يلاقونه، من استغلال، ومن تحديات.
ويمر الزمن، ويعود بحمدون وعزت أمام بعضهما البعض، ليعرض عليه عزت مشاركته في مسرح
جديد قد بناه، كذا تعمل معهما بدرية، وتصل الأحداث للكشف عن نية عزت في الإيقاع بينهما،
خاصة أنه لازال يحب بدرية.
ويطلق عزت سيدة، ويقرر أن يؤسس شقة خاصة به بعيداً عن الحارة وبيت الست عين، ويعتقد أنه
بذلك يخطو نحو الحياة التي طالما أرادها. وتقرر الست عين أن تظل سيدة ببيتها، وأن يظل سمير
حفيدها بجوارها، وتقرر وبمنتهى القوة أنه لا مجال لعودة عزت مرة أخرى.
ويستغل عزت توريط حمدون في جريمة قتل، حتى يتقرب من بدرية التي تكشفه، ورفض الزواج منه،
بل وتؤكد على أنها لم تحب سوى حمدون.
وتمر سنوات عديدة، ويكبر سمير، ويتواصل معه والده بالخطاب، فيذهب لرؤيته، وتتوالى العلاقة
الطبيعية بينه وبين أباه، وينجح في دراسته، ويخطب الفتاة التي يحب “رجاء”.
وتمر الأحداث، ويخرج حمدون من السجن، ويهرم الثلاثة حمدون وعزت وبدرية، وتهرم معهما
الحكايات القديمة، وزمن كان يحمل عبق الحارة القدمة، حارة الست عين.
لم يوافق الكاتب على التصريح بأن عين قد ماتت، رغم إشارته لذلك في الألفاظ الأخيرة، وكذلك
العبارات، فالست عين هي رمز كل قديم مضى، وهي رمز البركة التي كانت في كل شيء، رمز
الليالي الطويلة الدافئة، ورمز الأفكار والنوايا الطيبة، ورمز الروح التي مضت إلى حياة أخرى مع الطيبين فحسب.