ثقافة الفلاحين المصريين وأيديولوجية الدولة
العلاقة بين الفلاحين والدولة بمصر علاقة تاريخية ترجع جذورها لفجر التاريخ, منذ أن
عرف الإنسان المصرى حياة الإستقرار على ضفاف النيل العظيم,وقد تشكت ملامح هذه
العلاقة وخصائصها فى إطار التكوين الإجتماعى للمجتمع المصرى,وطبيعة بيئته النهرية
وماتفرضه من وجود نظام الرى الدائم,وضرورة وجود حكومة مركزية قوية تتمتع بسلطات
واسعة للبلاد وتقوم هذه السلطات على ملكية الدولة للأراضى الزراعية وقدرتها فى السيطرة
على النهر وتنظيم استخدام مياهه,
وهذا يعنى ان الدولة تدعى امتلاك الارض والمياه وهما المصدران الرئيسان للحياة بالمجتمع
المصرى وبناء على ذالك تعتقد الحكومة انها صاحبة الحق فى توزيع الارض والمياه وتحديد
اسلوب استخدامهما بالطريقة التى ترى أنها تحقق مصالحها وبالتالى تمنحهما لمن تشاء
وتحسبها عمن تشاء.
ونظرا لإتساع الاراضى الزراعية والتى تعجز الدولة عن استغلالها بصورة مباشرة, فإنها
تسمح للفلاحين بالانتفاع ببعضها مقابل نظير دفع مقابل لهذا الإنتفاع, وكان هذا المقابل يتمثل
فى طاعة الحكومة وتنفيذ مطالبها,وكانت هذه المطالب تنحصر فى دفع الاموال التى تطلب
منهم مقابل حق الانتفاع أو الضرائب فيما بعد,وجمع الانفار للخدمة العامة أو السخرة والتجنيد,
فإذا اوفى الفلاحين بهذه الطالب تحقق رضا الدولة وكفت ايديها عنهم وعن التدخل فى شئؤنهم,
اما إذا عجزوا أو امتنعوا فما لهم إلا العقاب العاجل,وتعرضوا لصور عديدة من البطش.
وفى اطار امتلاك الحكومة لوسائل القهر والبطش(الجيش والشرطة) التى تفوق قدرات الفلاحين
فإن ذالك كان يمكنها من فرض إراتها وبسط سلطانها على جميع القرى والضواحى فى البلاد.
وشكلت ظروف حياة الفلاحين وخبراتهم مع بعضهم ومع الحكومة والعالم الخارجى عناصر
ثقافية وفرعية خاصة بهم,تميز أساليب سلوكهم وممارساتهم التى ترسخت بأعماق وجدانهم
بحكم استمرارية تكرارها وأصبحت تشكل ملامح شخصية الفلاح الأصيل أو ابن البلد بقيمه
واخلاقايته واساليب تفكيره وسلوكه وردود أفعاله.
ملاحظة هامة: أن الممارسة السياسية وأساليب تفكير وسلوك القادة الساسين فى مصر لا تختلف فى جوهرها عن هذه الاساليب التى ابتدعها الفلاح المصر الاصيل,رغم الفاصل الكبير الذى يفصل بينهما,وآكد العلامة أبن خلدون فى كتبه (ان المغلوب مولع دائما يتقليد الغالب) ولكن عندنا حدث العكس,وهذا شئ مبسط عن الفلاح المصرى وتاريخه.