عاش طوال حياته لا يعرف إلا قريته الصغيرة فهي كل عالمه وفيها كل ما يحتاج إليه ، عُرف بين أهلها بـ ( أبو الكتب )
فلا تكاد تخلو يده من كتاب فلم يتجاوز الحادية عشرة حتى استطاع قراءة وفهم كل ما استطاعت يده الحصول عليه
من كتب ومؤلفات في مختلف المواضوعات ولمختلف الكتاب.
وقد جعله هذا موضع ثقة كبراء قريته فلا يقطعون أمرًا دون معرفة مشورته،
إذا نشب الاختلاف بينهم نزلوا على حكمه.
نعم كانت حياته بسيطة هانئة حتى جاء ذلك اليوم الذي اضطر فيه لترك قريته والسفر لإتمام دراسته،
يومها تغيرت حياته فقد انتقل إلى المدينة الكبيرة بكل مغرياتها، وأصبح واحدًا من الناس لا بؤرة اهتمامهم،
فلا قول له فيما يحدث حوله ولا احترام وإجلال في عيون من حوله.
نعم، تغير كل شيء. فمن بين محاولة لاكتشاف هذا العالم الغريب ومحاولة لجذب الأنظار لهذا الفتى الريفي البسيط
ونزوات الشباب التي لا تنتهي. تزلزلت حياة أبو الكتب فهجر الكتب وتاه في أزقة المدينة
فلا هو ذلك الفتى الريفي المحترم بين أهله ولا هو ابن المدينة المتمرس في دروبها وطرقاتها.
ولكن أين المنقذ وأين الملجأ؟ لقد هربت منه كل الأفكار،واختلطت عليه معالم الطريق.
ولكن مهلاً ماذا فعل أبطال الكتب عندما وقعوا في هذه الحيرة! هل جرفتهم المدينة بكل ما فيها من تحديات؟
أم غلبوها بما حملوا إليها من العلوم؟
جلس لبرهة يتأمل حياته منذ أن وصل إلى هذا العالم الجديد ، فوجد أنه تخلى عن كل ما تعلمه سعيًا وراء بريق زائف.
نعم .. لقد كان العلم الذي اختزنه في عقله عبر هذه السنوات طوق نجاته من الضياع،
نعم .. لقد استفاد من أفكار وخبرات هؤلاء الكتاب. الآن انتهت حيرته وعاد إلى كتبه مرتاح الضمير هانئ النفس.