ونسيت أنى بشر !
تمر أمامى أوقات تجبرنى على الهروب منها …
فحين تدور عينى على واقعنا هذه الأيام تدمع لا إراديا …
وتغمض بنفسها ذاتيا … تعتقد أنها بذلك قد تخلصت من مرارة ما رأته ،لكن هيهات لها أن تنسى …
وكيف ستصمد على العيش فى ظلام وهى لا تشعر بأمان حتما سيأتى الوقت الذى تفتح فيه
لتستأنس بنور التيه الذى نعيش فيه .
نعم نحن نعيش فى تيه ،قتل وظلم، شر وفساد ،كذب وإفتراء، غدر وخيانة، نفاق وجهل ،تعدى وسرقة .
أصبحنا نرى المشكلة ولا ندرى حلها، أو ندرى حلها ولا نستطيع حلها، أو نستطيع حلها ونقف عاجزين أمامها.
حين أنظر لمن حولى وأجد فيهم من يجرح ويفتخر بذلك، ومن يظلم فيستقوى بظلمه، ومن يكذب فيلمع بكذبه،
ومن ينافق فيصير محبوبا ،ومن يضعف فيصير مسالما، ومن يفترى فيصير بطلا ،حين أرى الموازين مقلوبة
وكافة العدل منقوصة، أتمنى حينها أن تغمض عينى وتتخيل زمنا به (بشر آدميون)،
نعم آدميون بهم الصفات الآدمية التى جبلوا وخلقوا عليها وليست التى اكتسبوها.
فتخيلت أناس فيهم القوى ينصر الضعيف، والغنى يعطف على الفقير، والكبير يرحم الصغير ،
والصغير يحترم الكبير ،رأيت الحب بينهم يهيمن عليهم ،والتسامح من شيمهم، والتفاهم أساسهم ،
والإختلاف سنتهم ولا يؤدى بهم إلى الخلاف،وجدت حسن الظن يفسر كثير من أفعالهم ،
وصدق القول يعزى ثقتهم ،وأمانة الفعل هى عدل حياتهم .ووسط هذه التخيلات إخضرت الحدائق
وتفتحت الأزهار وأصبحت السماء صافية والمياه طاهرة والأرض منبسطة للسير عليها لا حفر فيها
ولا حجر فتجمل الكون لجمال من فيه ليسعدهم كما أسعدوه .
لكن فجأة من أعجبت بهم وتمنيت أنى لو كنت بزمانهم إنتبهوا لوجودى فرفضوا أن أبقى معهم
وصارحونى بالبسبب أنى لست مثلهم (نعم فقد نسيت لحظة أنى بشر).
ففتحت عيناى مجبورة وأدركت أن العيب ليس فى زماننا ولا فيمن حولنا فقط وإنما العيب فينا !
حتى وإن كنت صالحا وسط طالح فماذا فعلت أيها الصالح لتصلح الطالح؟ إذا كنت قد فعلت شيئا يستحق الذكر
فحتما سترافق من تمنتهم عيناى لكن ليس فى هذه الدنيا الفانية بل فى الدار الباقية ،
أما إذا كنت لم تفعل شيئا فأهلا وسهلا بك يا صديقى فهذا هو الزمان الذى نستحقه.