الرسول المعلم
إن للتربية مساحة كبيرة و عظيمة في حياة النبي صلي الله عليه و سلم و قد تجلت في كثير من المواقف بل
إن حياة النبي صلي الله عليه و سلم يمكن أن تكون رحلة تربية للبشرية عامة و لأصحابه خاصة .
دروس و عبر و مواقف تخللتها طرق و وسائل تربية تهذب النفوس فهو أدرى العباد بطرق تهذيب تلك النفوس
فهو الذي لا ينطق عن الهوي.
عن جندب بن عبد الله قال كنا غلمانًا حزاورة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
فتعلمنا الإيمان قبل القرآن ثم تعلمنا القرآن فزدنا به إيمانًا، وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان
(السنن الكبري للبيهقي و صححه الالباني )
سلامة القلب أولا
فها هو الرسول الكريم يهتم بفكرة سلامة القلب و التعامل مع النفس تهذيبا و تجريدا و إصلاحا حتي بعيدا
عن الوحي و قبل الدخول بفكرة التدبر بآيات الله و كأنه أراد أن نفهم أن القلوب عليها أولا أن تستعد لتلقي
الخطلب الإلهي ، أن تكون صافية أن تعلم حقيقة الإيمان المطلوب فالأمر ليس مجرد تكليفات و أوامر
و نواهي بل هو توحيد و تسليم و انقياد لله برضا و يقين و سلامة صدر و روح ، و كأن هذا الإصلاح بالتربية
مباشرا عن طريق المعايشة و الخطاب المباشر و الجلوس و السعي و السير مع من تريد تربيته لا مجرد
التلقين و حسب.
التربية أهم من الإطعام و السكن و المأوى
عن أبي العباس عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال:
(يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: إحفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت
فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف)؛
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيحٌ.
وفي رواية غير الترمذي [رواية الإمام أحمد]:
((أحفظ الله تجده أمامك، تعرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، وأعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك،
وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يُسرًا)).
فكرة أن في كل لحظة أن تقدم درسا و توضح مفهوم و ترسل رسالة ، فكرة تقدير قيمة الوقت و أن ما هو مطلوب منك في التربية أكثر قيمة من فكرة الإطعام و السكن و المأوى ، فها هو الرسول صلي الله عليه و سلم يعلم غلاما
خلفه كلمات من نور اضاءت للبشرية من بعده و هذا بعد غلام و هما ليسا في مجلس علم لكن المنهج النبوي في التربية حريص علي إظهار أهمية تعليم النشأ و كذلك استغلال لحظات المكوث سويا في أن نزرع في نفوس أطفالنا نبتة خير علها تنبت شجر من قيم و تهذب نفوسا ستكون يوما سواعد و عقول.
ثمرة التربية الصحيحة
و بهذا المنهج خرج صحابة كرام ملئوا الدنيا ندى و أمطروا العالم بقطرات العلم و الفهم فأنبتت الأرض قلوب
مؤمنة إيمانا صحيحا و اهتدى الناس لدين الله رب العالمين كل ذلك ثمرة التربية الصحيحة القائمة علي تهذيب
القلوب و الأرواح و المعايشة لا مجرد التلقين و لا مجرد الحرص علي الأكل و الشرب كما أصبح الغالب اليوم
يري التربية و في النهاية علي الجميع أن يعلم أن تقوي الله هي التي تنجي أبناءنا و من أراد إصلاحا لذريته
و تربية لهم عليه أن يوفر لهم من وقته لا ليوفر لهم طعاما فحسب.
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا….(النساء)