الكلمة بيان مخفي
إحتياج “المسموع” للتدقيق و التفكر يغلب إحتياج “المرئي” فالكلمة بيان مخفي عن النظر لا يكشف عن ما به إلا
من رفع ستار الغمام بنور الفهم و سراج التدبر و إن شئت فاقرأ ” ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا« لَا يَعْقِلُونَ» ”
في حين قال عن النظر ” ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا« لَا يُبْصِرُونَ » ” فأوكل أمر النظر لحاسته مباشرة في
حين جعل للسمع ” العقل” لزاما لتحليل ما يتلقي من كلمات و أصوات.
و يقول السيد _ وجدان العلي بشأن الكلمة التي هي محل السمع
“الإستهانة بالكلمة إستهانةٌ بالإنسان، ولذلك كان من أخبث الأمراض التي دخلت على الناس الإستخفاف بالبيان
وفتح نوافذ القول فيه لكل أحد.
وفي عاميتنا ” يا عم..أهو كلام وخلاص”! ”
فكما أن الكلمة علي بساطتها قد تحمل ” الحق” فلها هي “حق “و لسماعها ايضاً “حق ”
كيف للسمع من أثر في إحياء أمة؟
إذا فالمنطوق من الصعوبة بمكان ليصبح ضرورة لإستيعابه وجود عقل راجح يحلله بعد سماعه و عندما يحدث
ذلك تجد أثراً طيباً و عميقاً في كثير من الأحيان فغالب أو معظم ما تحصلنا عليه الآن من علم شرعي ” الحديث ” مثلا هو نتاج سماع تم التدقيق فيه و نقله كما هو لا نتاج نظر فنحن لم نري أفعال الرسول بل نقلت الينا من رجل لرجل هذا النقل الشفهي لزم له آذان صافية و عقول حاضرة لتنقل خبر الرسول الكريم الذي هو شرع نحيا به و
تتجسد فيه حقيقة أمة و أن حصل خلل في ميزان السمع أو النقل لما تحصلنا علي هذا المصدر العظيم للتشريع
فانظر كيف للسمع من أثر في إحياء أمة و حفظ تراثها من الضياع و ذلك عندما يتلقي المتلقي بقلبه لا بإذنيه
و يراجع ذلك بعقله فينتج خبراً صادقاً يعتمد عليه بعد ذلك.
السمع العاقل نجاة
و لأن السمع ” العاقل” قد يبني تصوراً و يخلق صوراً و ينشئ شعوراً إما بالجمال و الأمان أو القبح و الخوف.
تجد أن من نعم الله علي أهل الإيمان حفظ سمعهم من سماع أصوات جهنم وحفظهم مما تلحقه هذه الأصوات
من أثر في نفوس سامعيها فهو عذاب فوق العذاب. ل”لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ” _ الانبياء
فحتي في ميزان الثواب و العقاب يكون السمع آلية لتحقيق ذلك .
و عندما يكون هذا السمع مجرداً من التفكر و النظر و التدبر سمعاً أداته الأذن فقط لا العقل سمعاً عارياً
من الفهم و التمحيص و التحليل يصبح صاحبه ساقطاً في ضلالته لا يؤثر فيه ما يسمع قيض أنملة بل علي العكس يعاند و يكابر
“َسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
_ الجاثية
و ها هو قد سمع و ها هو له أذن ، لكن نعمة السمع تطلب عقلاً يسانده يجاورها يبين مآلات الأصوات و يبني بها بيوتا من أشكال و صور تراها عينك و هي لم تنشأ الي في مساحات فكرك لا مساحات الواقع .
بالسمع نرى حقيقة المنطوق
لذا فإن العاقل من جعل لسمعه قدره و دقق به فيما يعرض عليه لكي يري حقيقة المنطوق و يعطي كل كلمة حقها و مرادها فيغضب لما يغضب و يهدأ لم يسكن ، يفرح بالكلمة و يبكي لها ، لا يحتاج كثير بهرجة ليسعد بل كلمة استرق لها السمع بعقله كافية أن تغير نظرته للأشياء و مشاعره تجاه الأشخاص فيكون إنسانا بسيطا غير متكلفا حتي في فرحته و حزنه حكيما يرى بالكلمة ما لا يراه غيره لا ينقل كذبا و لا يروي إلا صدقاً فتخرج كلمته كما دخلت غيرها اذن” عاقلة”