من فرائد اللحظات البشرية شعور يأتيك ليحقنك ببصيرة مكثفة، تتهاوى فيها حجب الرغبات، تحس فيها أنك قريب
من إدراك حقيقة كبرى؛ لا تدري ماهي لكنها تشعر بهذا، حينها فقط تدرك عبثية معاركك، وهامشية أمنياتك،
وبعدك عن ما يراد منك .”_ بدر الثوعي
بعدك عن الرغبات قليلاً أو أنها لا تكون نصب العين على الدوام و لا تقدم في كل محل لأن هناك غاية أسمى منها .
لماذا أصبحنا متوحشين ؟
لقد كثر السؤال لماذا أصبحنا متوحشين ؟
الحقيقة أننا لم نعد ندرك بعد حقيقة إنسانيتنا و التكاليف التي تنصب علي أكتافنا جراء هذا الإدراك أولاً و جراء ماهيتنا التي خلقنا الله عليها ، جهلنا بحقيقتنا و ما تحويه من قيم و أخلاق و تكليف بالرقي و التكريم و الإيمان .
و اليقين ، و الإيمان هنا ليس من منطلق الدين بل من منطلق ” الحق ” و من منطلق فكرة ” التعايش “
و حتمية ” الأخلاق”
في التعامل بيننا يقول السيد علي عزت بيجوفيتش رحمه الله
لا يوجد إلحاد أخلاقي لكن يوجد ملحد علي أخلاق”
ستجد هنا معناً خفياً يود بيجوفيتش إيصاله إلينا إلا هو أن الإنسانية تساوي الأخلاق و أن ضياع الأخلاق
يجرد الإنسان من حقيقته هذا بغض النظر عن فكرة ” الدين” أي أن الإنسان فطر علي الأخلاق و المثل
و أن سعيه في الحياة لابد أن يكون مرتبطا بالأخلاق و إن لم يكن له وازعاً دينياً لها …ماذا حدث اذاً ؟
أين ذهبت الأخلاق
فلسفات و رؤي و أحداث و مدنية ضغطت علي القلب الإنساني بالقدر الذي استطاعت فيه إن تجرده من
معانيه و جعلته فقط ” كائن” يسعي جاهدا لإشباع رغباته و شهواته ” و لا أقصد هنا معاني الحلال و الحرام
” بل أقصد أن الغايات أصبحت تقتصر علي إشباع الحاجات المادية و إهمال ما هو نفسي و روحي و أخلاقي
حتي لو كان هذا الإشباع في الإطار الديني المسموح به فليس المراد توافق الإشباع مع الحلال و حسب بل
ماذا تشبع ؟ ما هي غايات إشباعك ؟ لماذا تشبع شهوة ما أصلاً ؟
للتوضيح شباب و فتيات يسعون للزواج عفة للجسد و رغبة في الإنجاب لكن هل لديه تصورا عن أن نتاج هذا
الزواج لابد أن تكون أسرة تعبد الله و تحقق الإعمار في الكون و تترك أثراً طيبا في محيطها و أن السعي لهذا
الزواج لابد ألا يأتي علي حساب قيم أخرى و أولويات أخرى لدي كل فرد منهم .
في النهاية أصبحنا متوحشين
هذا من جانب و من جانب آخر و هو الجانب المخيف أن الإشباع أصبح أيضاً بعيدا عن المسار الشرعي ” لأي دين ” ففي النهاية أصبحنا ” متوحشين” بالمعني الحرفي للكلمة أصبحنا جماعة ” غير مستأنسة” من الكائنات التي تسعي لسد حاجاتها الحيوية فقط دون الإكتراث لأي قيم و هذا جعل المجتمع مخيفاً ، أنت تخشى التفاعل مع من حولك لأنه بكل بساطة جعل منك فريسة أن استطاع استخلاص أي قيمة مادية منك فلن يتورع في ذلك و إن استطاع أن يحقق أي نصر عليك في أي صورة بأي وسيلة فلن يتورع أيضاً.
قل لي كيف يمكن العيش هكذا ؟
كيف يمكن العيش دون حالة الطمأنينة التي يجب أن تسود العلاقات الإنسانية في المجتمع الواحد.
هذا ليس ترفا فكريا و لا فلسفة فارغة و لا تنظير بل هو ناقوس خطر و صافرة إنذار و استعطاف اذا اردت ان تقول لكل ” انسان” في هذا المجتمع ان يقف للحظة و يفهم ما معني كوني انسانا و ما يتوجب عليا فعله و كيف للإنسان أن يتصرف مع غيره و كيف تكون المساحات بيننا ؟ لابد أن نعود ” بني آدمين”