كان عمرُ بأخلاقه وأعماله كأنه التكرار الثالث لكلمة إلهية واحدة، مرسلة في التاريخ، صارخة في الدنيا،
مؤذِّنة بين الناس أذان الملائكة, وترى ثمة أقدارًا ممثلة في التاريخ على ما قدرها الله تؤكد لك تأكيدًا أنه
يستحيل على غير عمر أن يكون عمر….
إنها بعض من كلمات سطرها الرافعي في حب الفاروق “عمر بن الخطاب”
لقد خلّد التّاريخ الإسلامي سيرة كثيرٍ من الصّحابة الذين كانت لهم مواقفهم المشهودة، وسجلّهم المليء بالإنجازات والتّضحيات في نصرة النّبي عليه الصّلاة والسّلام وإعلاء كلمة الدّين، وعلى رأس هؤلاء الصّحابة كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم الّذين برز من بينهم الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كقائدٍ فذٍّ، وخليفة عادل قلّ أن يوجد مثله في التّاريخ الإنساني القديم والحديث، فما هي سيرة الفاروق رضي الله عنه؟
مولد الفاروق
ولد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في مكّة المكرّمة في سنة 590 ميلادي أي بعد ولادة النبيّ
عليه الصّلاة والسّلام بما يقارب ثلاث عشرة سنة، ويعود نسبه إلى بني عدي بن كعب فهو عدويّ قرشي.
إسلام عمر ومكانته
رُوي في قصة إسلام عمر بن الخطاب أنّه سمع عن إسلام أخته فاطمة وزوجها سعيد، فانطلق باتجاههما بُغية
أذيتهما لهذا، وكان عندهما خبّاب بن الأرت يعلمهما القرآن الكريم، فلمّا طرق عمر -رضي الله عنه- الباب،
اختبأ خبّاب، ودخل عمر غاضباً فضرب أخته فشجّها، ثمّ طلب إليها أن تناوله الصحيفة التي في يدها فرفضت؛
لأنّه كافرٌ نجسٌ، وهذه الصّحيفة فيها قرآنٌ مطهّرٌ، وطلبت إليه أن يغتسل قبل أن يَمسّها، ففعل، ثمّ أخذها فقرأ منها سطراً واحداً، فانشرح صدره لها، فسأل أخته عن مكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فخرج خبّاب من مخبأه،
ودلّه على مكان النبيّ عليه السلام، فانطلق إليه عمر بن الخطاب، يطرق الباب، فلمّا عرف الصحابة أنّه عمر
خافوا ووَجِلوا؛ لأنّه كان شديداً عليهم، فطمأنهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أذن له فدخل، فلم يكد يرى ا
لنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حتى نطق الشهادتين وأعلن إسلامه.
حب النبي لعُمر
كان إسلام عمر بن الخطاب انفراجاً لضيق المسلمين، وفتحاً لهم، وقد فرحوا بإسلامه فرحاً عظيماً،
إذ أمِن المسلمون بعد إسلامه أنْ يُصلّوا في جوار الكعبة، وقد كانوا يخافون قبل ذلك،
وقد حسن إسلام عمر رضي الله عنه، وفَاقَ مَن قبله ومَن بعده، حتى امتدحه النبيّ -عليه السلام- في أكثر من موضعٍ، إذ قال فيه مرّةً: (إنّ اللهَ جعل الحقّ على لسانِ عمر وقلبِه)، وقال عنه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كذلك:
(قد كانَ يكون في الأمم قبلكم محدّثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنّ عمر بن الخطاب منهم)،
وعن ابن عباس أن النبي ﷺ قال:
« إن لي وزيرين من أهل السماء، ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل
ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر، وإنهما السمع والبصر ».
وعن عائشة أن النبي ﷺ قال: « إن الشيطان يفرق من عمر ».
إتصال عُمر الجسدي والروحي بالقرآن
كان معروف عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه شديد التأثر بالقرآن كثير البكاء عند قراءته حيث
كان في وجه خطان أسودان من أثرالبكاء، وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه، فيحمل صريعا
إلى منزله فيعاد أياما ليس به مرض إلا الخوف.
وإنّ لعمر -رضي الله عنه- توافقٌ مع القرآن الكريم كذلك؛ إذ تعدّدت الكلمات التي قالها عمر، ثمّ نزل القرآن الكريم في نفس لفظه، وذلك مثل سؤاله للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنْ يتخذ من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت الآية الكريمة بعد ذلك:( اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)،
وفي موضعٍ آخرٍ حين ثارت الغيرة بين نساء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فحذّرهنّ بطريقة نزلت فيها الآية بعد
ذلك، وهي الآية الكريمة: (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ
عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا.
بعض من أقوال الفاروق رضي الله عنه
– بعضاً من أشهر أقواله التي كان لها تأثيراً قوياً في نفوس الكثيرين.
– إن لله عباداً، يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره، رغبوا فرغبوا، و رهبوا فرهبوا، خافوا
فلا يأمنون، أبصروا من اليقين ما لم يعاينوا، فخلطوا بما لم يزايلوا، أخلصهم الخوف فكانوا يهجرون
ما ينقطع عنهم، لما يبقي لهم، الحياة عليهم نعمة والموت كرامة.
– كنتم أذلة فأعزكم الله برسوله، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله.
-وجدنا خير عيشنا الصبر.
-جالسوا التوابين، فإنهم أرق شئ أفئدة
– لو أن الصبر و الشكر بعيران، ما بليت إيهما أركب
-لا تتكلم إلا فيما يعنيك، واعرف عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمشي
مع الفاجر، فيعلمك فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمرك إلا من يخشون الله تعالي.
– أحب الناس إلى من أهدى إلى عيوبي
– أخوف ما أخاف على هذه الأمة، من عالم باللسان جاهل بالقلب.
-خذوا حظكم من العزلة.
لا تنظروا إلى صيام أحد أو إلى صلاته، ولكن أنظروا إلى صدق حديثه إذا حدث، و إلى أمانته إذا اؤتمن، وورعه إذا أشفى.
وفاة أمير المؤمنين عُمر
ثبت عنه في الصحيح: أنه كان يقول: اللهم إني أسالك شهادة في سبيلك، وموتا في بلد رسولك، فاستجاب له الله هذا الدعاء، وجمع له بين هذين الأمرين الشهادة في المدينة النبوية، وهذا عزيز جدا
قال الواقدي رحمه الله: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن أبيه قال: طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين للهجرة، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم، سنة أربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين يوما، وبويع لعثمان يوم الاثنين، لثلاث مضين من المحرم.