لم يخلقنا الله فرادى
البعض يري في عزلته شفاء من سقم العلاقات الجافة و التواصل الغير مرغوب فيه حيث يري فيها حالة الراحة و الإطمئنان بعيداً عن صخب الأحداث و كثرة الأصوات و لكن النفس التي بجانبك خلقت من نفس وما خلقت منه بالتأكيد دوراً ، لم يخلقنا الله فرادى و إن كان حشرنا سيكون على هذه الحالة ، و لكن جعل معيشتنا شعوباً و قبائل
و جعل في بعض حالات تدبرنا لخلقه أن نكون مستئنثين بغيرنا.
“قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ
يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ”_ سبأ
بل و دعانا أيضا في صلواتنا و عبادتنا أن نلتزم الجمع و الاخر ملتمسين قرب الله من القرب بعباده و الإصطفاف معهم
“وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا”_ الكهف
النفس الإنسانية تطوق لمن يهمس لها ” اطمئني ”
فحاجة المرء لغيره لا يمكن انكارها مع عظمة العزلة و فضلها علي النفس إلا أن حالة التدافع الإنساني لابد
منها وذلك لأننا أولا في إحتياج لها ثانياً كما يقول ” جار القلب” السيد الرافعي
“إني رأيت في معاشرة الحزين للحزين شيئاً من الفرح.. يتنفس به الحزن على الحزن.”_
و يقول بن القيم إنّما يُصدِقُك مَن أشرَقَ فيه ما أشرقَ فيك” تواجد هذا السامع همسك و نبضك يقطع لك نصف
الطريق إن لم يكن يطويه لك طياً ، و لن أكون مبالغاً أن تواجده ينسيك أن هناك مشقة و أن هناك صعاب فيصبح بفيض لطفه و رحابة قلبه هو ” طريقك”
“وَلَا بُدَّ مِن شَكوَى إِلَى ذِي مُرُوءَةٍ يُوَاسِيكَ أَو يُسلِيكَ أَو يَتَوَجَّعُ” حتي و ان توجع لك فحسب فقد وفّر ع عينيك
دمعة دمعها هو عنك و ع قلبك آهةً نبضتها روحه بدلاً منك ،أن النفس الإنسانية تطوق لمن يهمس لها
” اطمئني” و القلب البشري ييحث دوماً عن من ينبض له ” أنا بالقرب” .
في الأنس مشاركة للألم
إحساس الإنسان بأن الثقل الذي علي كتفه لا يخصه هو وحده يخفف شيئا من هذا الحمل و أن الألم الذي يعتصر
قلبه لا يشعر به هو وحده يسكن هذا الألم و كأن شريكك هو علاجك و حامل اسقامك.
نجد هذا حتي في أمر الوحي رغبة الشراكة و الإستناد و الإتكاء علي الآخر الذي يريحنا و يخفف عنا الكثير
وهذا نجده عندما قال سيدنا موسى لربه:
“وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا” _طه
الأنس والعزلة
ما اعقد النفس البشرية و ما ابسطها يوماً تبحث عن العزلة و الابتعاد و الخلوة و يوماً تبحث عن الرفقة والأنس
بالناس إذا فالأمر هكذا ؟ نعم إحتياج و الفطن من فهم إحتياج نفسه و لبّاه.
و لأن ليس كل شخص يصلح لأن يكون شريك للألم والفرح و أن يكون ونيس لك وسبب راحتك فالبشر
مختلفوا الطبائع والميول والنفوس لا تألف الجميع بل تنتقي
ولأن الأنس حالة من الراحة والاكتفاء الغير مشروط بوجود إنسان ، فقد تكون ونسان بكتاب أو مكان أو بعمل او أشخاص أو بالله كحال الزهاد ؛إذا فإن العزلة ماهي إلا حالة من الأنس مع النفس.