حاجة عادية
لم يبق غير سنتيمترات… سنتيمترات قليلة ويتم الخلاص, ذلك أن صفحة الماء بدت ممتدة جميلة تتهادى موجاتها فى بطء كراقصة مخملية. سنتيمترات قليلة… وينتعش بعدها بكتل الماء ثم ينتهى كل هذا العذاب, ضباب الصباح قادر على ملىء فراغ روحه وتلك الوريقات الرقيقة لوردة حمراء تجرى عيونه عليها بتلذذ… يبتسم بنصف فمه… يقذف الوردة والأبتسامة تحت قدميه… يزجرها ليأخذها التيار كأشياء كثيرة تمضى… يتحسس رأسه .. تعجب من هذيان صبيان الشارع واشارتهم المتعمدة نحوه ثم أقتراب أحدهم وفمه مفتوح : عمو .. شعرك واقف بعد لحظات قابله صديق لم يخف دهشته : أنت عامل شعرك كده ليه؟ أحس بدوار … صديقه بدا كاثنين يتداخلان… شعر برأسه منطاد على وشك الأقلاع… مر بأصابعه عليه … كأن شعره مسامير مدقوقة بدلا من الخصلات المنسدلة الأسطورة … حتى شعر الجوانب والسوالف بدا كمسامير لكنها مدقوقة أفقيا. بكل ما أوتى من سرعة .. مد خطاه.. تعثر فى درجات السلم عدة مرات .. توقف أمام المرأة راعه أن يرى ذلك الشىء الذى يغطى رأسه منتصبا … راح يمشطه بعنف,عيناه جاحظتان وأنفه تضخم , كان شعره هو الملاذ الوحيد فى دنيا الوسامة يعاود النظر, يبحلق, قام مسرعا ليغمر نفسه بالماء , كادت ملابسه تغرق جلس حتى يجف, عاد يتحسس رأسه … بدت المسامير أكثر حدة , لم يرتعد قط فى حياته ولم يتعرض لخضة لدرجة أن يقف شعر رأسه .. أخذت يده تحك فروة رأسه كحفار يعمل بضغط الهواء, اقشعرت روحه من ملامسة هذه الأسنة الشعرية المنتصبة.. يقاوم الاهتزاز ويضغط .. ينتظر… المرأة هى الفيصل.. أبتعد جفنا عيناه حتى كادا يفقدا كرتاهما , شعيرات الحواجب امتدت للأمام وشعيرات الذقن كأنها أسافين معدنية , صار يبدو كشيطان!
ترك نفسه للماء.. أنتظر .. أنتشر الأحساس بالوخز فى اليدين والساقين والصدر … مزق قميصه .. وقف كل الشعر عنوه … حالة عصيان .. صار حتما لا يخرج الا مبللا بالماء الطازج .. أستبدل كل ملابسه بأخرى فضفاضة… أمسك جمجمته وراح يعتصر ذلك القابع داخلها … قرر أن يزيل شعره كاملا .. يحرقه … أيقن أن هذا تصرف شمشونى عبيط .. لم يعد الصفاء المائى قادرا على أخماد الثورة .. يحلقه.