مجتمع الصور
صور، صور ، صور كثيرة في كل مكان في كل الأحداث و في كل المواقف لدى تناول الطعام و لدى شرب
المياة ، عند ممارسة الرياضة و لعب كرة القدم ، و كذلك عند الحفلات الموسيقية و حفل التخرج من الجامعة ،
عند الجلوس مع الجامعة أو حتى في الغرف الشخصية في البيت ، في جلسة الأسرة الدافئة و في جلسة العمل
و الدراسة ، في كل مكان أصبحت الصور حاضرة و المشاهد صاخبة و حالة الهستريا في الإستعراض
و المظاهر لا يهم ماذا نظهر و هل ما نظهره يستحق الظهور أصلا أما لا و هل كل الأشياء و الأنشطة يجوز
أصلا من البداية أن تخرج للعيان أم لا ؟
ماذا ينفع الناس بتوثيق أيامنا ؟
هل يجوز أن يري الناس جلستي مع أمي و أبي و إخوتي في مطعم ؟ هل يجوز أن يرى الناس ضحكة زوجتي
العفوية ؟ ، حتي تلك المناسبات العامة هل يكون الإستمتاع بها بالإنشغال عنها بالتصوير و التدوين و توثيقها
علي الهواتف الذكية أم يجب أن يكن توثيقها في قلوبنا و أرواحنا بأن نعيشها كاملة دون إنشغال عنها بممارسة
ذاك التدوين الإلكتروني القبيح .
و ماذا ينفع الناس بتوثيق أيامنا ؟ ماذا سيستفيد من حولي بمعرفة أي أصناف الطعام أكلت أو أي المطاعم كنت
ضيفا عليها ؟ قبلتي ل أمي لماذا تصبح علي الشاشة الإلكترونية ؟ مداعبتي لأختي و ضحكتنا الصافية لماذا
نوثقها تصويرا ليراها العالم ؟ في الحقيقة لا فائدة أبدا للناس من ما أقدمه من مذكرات شخصية يومية لأدق
تفاصيل حياتي و لكن هو الإستعراض و بهرجة الصور و أثرها علي النفوس و حب الظهور الذي أصبح سلعة
هذا المجتمع الرائجة كما تقول د هبة رؤف عزت
ينفع الناس بتوثيق أيامنا
“مجتمع الإستعراض” هو مجتمع لا ينصرف للعمل إبتغاء وجه الله..وكفى-إنه مجتمع الظاهر.والمظاهر والمشاهد الصاخبة-فهو مادي بإمتياز وإن إدعى غير ذلك”
فإننا نجد حتى الإستعراض و حب الظهور في ممارسة النسك و الطقوس التعبدية من تصوير نفسك بأحد المساجد و أقصد هنا تصوير ذاتك لا عمران المسجد و الأماكن ، تصوير نفسك و أنت في الأراضي المقدسة مؤديا نسك العمرة و الحج و يالها من حالة عظيمة يتصور الواحد أنه سيكون في حالة من الهيام منشغلا عن العالم لا عن هاتفه فقط إذاً توفرت له هذه المنحة العظيمة ، حتي الأعمال الخيرية نراها أصبحت موضع تصوير و تدوين رغم أن الخطاب الشرعي كان له تصورا آخر مغيرا عن هذه الأعمال الخيرية و ضرورة إخفاءها حتي لا يشوب فعلها الرياء
﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”
حكمة لقمان
و حكمة لقمان إقتدت وصية ابنه أن يكون متواضعاً تقياً خفيفاً علي أرض الحياة و يبعد عن الإستعراض
و الظهور في الأرض بل أن يتعلق قلبه و إنشغاله بأهل السماء .
“وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”_ لقمان
ما هي غاية الإنسان في الحياة؟
فإن غاية الإنسان في الحياة لابد أن تكون واضحة أمام عينه غير منشغل ببهرجة و زينة الدنيا و لا بتفاخرها و لا بأن يصبح محل البنان و الإشارة في المجتمع .
لسنا ضد الفرحة و لا بيان نعمة الله و لكن مساحتنا الشخصية الخاصة لابد أن تظل خاصة و يجب التفرقة جيدا بين ما يمكن أن يكون محل لنظر الناس و رؤيتهم و ما يجب أن يكن متعته لنا وحدنا مكانه بين قلوبنا و يصبح ذكرتنا في عقولنا و حسب