حَلاَوَة القُرْآن
رُوِيَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ اِنْتَهَى رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وَالمُسْلِمُونَ مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ نَزَلُوا مَكَانًا يَبِيتُونَ فِيْهِ،
وَاِخْتَارَ الرَّسُولُ لِلْحِرَاسَةِ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ يَتَنَاوَبُونَهَاخَوْفصا مِن مُبَاغَتَة لعَدُوِّ لَهُم وَهُم نِيَام
متْعَبُون من عَنَاءِ المَعْرَكَة. وَكَانَ مِنْهُم عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ.
فَخَيَّرَ عَبَّادُ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) صَاحِبَهُ بَيْنَ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ تَيْسِيرًا عَلَيْهِ، فَاِخْتَارَ عَمَّارُ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) آخِرَ اللَّيْلِ،
فَبَدَأَ عَبَّادُ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) الحِرَاسَةَ وَنَامَ عَمَّارُ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ). وَرَأَى عَبَّادُ أَنَّ المَكَانَ مِنْ حَوْلِهِ آمِنٌ وَظَنَّ أَنَّهُ وَحْدَهُ،
فَقَامَ يَمْلَأُ وَقْتَهُ بِالصَّلَاةِ، فَيَأْخُذَ ثَوَابَهَا مَعَ ثَوَابِ الحِرَاسَةِ.
وَإِذَا بِرَجُلٍ مِنَ الأَعْدَاءِ يَمُرُّ فَيَرَاهُ وَهُوَ قَائِمٌ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَضَرَبَهُ بِسَهْمٍ اِخْتَرَقَ صَدْرَهُ فَنَزَعَهُ وَاِسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ..!
ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ بِسَهْمٍ ثَانٍ فَنَزَعَهُ وَأَنْهَى تِلَاوَتَهُ.. ثُمَّ رَكَعَ، وَسَجَدَ.. وَكَانَ فِي شِدَّةِ الأَلَمِ، فَمَدَّ يَمِينَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ
لِيُوقِظَ صَاحِبَهُ النَّائِمَ جِوَارَهُ، وَظَلَّ يَهُزُّهُ حَتَّى اِسْتَيْقَظَ.. ثُمَّ قَامَ مِنْ سُجُودِهِ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ. وَصَحَا عَمَّارُ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)
عَلَى كَلِمَاتٍ مُتْعَبَةٍ تَقُولُ لَهُ:”قُمْ لِلْحِرَاسَةِ مَكَانِي فَقَدْ أُصِبْتُ”.
وَقَفَزَ عَمَّارُ(رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) مُحْدِثًا ضَجَّةً وَهَرْوَلَةً أَخَافَت المُتَسَلِّلِينَ، فَفَرُّوا ،ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى عَبَّادَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)
وَقَالَ لَهُ:”سُبْحَانَ اللهِ.. هَلَّا أَيْقَظْتَنِي أَوَّلَ مَا رُمِيتَ”؟ لِمَ تَأَخذَرْتَ؟
فَأَجَابَهُ عَبَّادُ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ):”كُنْتُ أَتْلُو فِي صَلَاتِي آيَاتٍ مِنَ القُرْآنِ مَلَأَتْ نَفْسِي رَوْعَةً فَلَمْ أُحِب أَنْ أَقْطَعَهَا.
وَوَاللهِ، لَوْلاَ أَنْ أُضَيَّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي الرَّسُولُ (صلى الله عليه وسلم) بِحِفْظِهِ، لَآثَرْتُ المَوْتَ عَلَى أَنْ أَقْطَعَ تِلْكَ الآيَاتِ
الَّتِي كُنْتُ أَتْلُوهَا!! “
لَقَد فَضَّلَ هَذَا الصَّحَابِي الكَرِيم الاِحْتِفَاظَ بِالجُرْحِ وَآلامِهِ بِضْعَ دَقَائِق عَلَى أَنْ يَقْطعَ قِرَاءَتَهُ لآيَات القُرْآن فَيَفْقِدَ حَلاَوَة القُرْآن ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِن هَذَا اليَوم؟!