لوامع في الطريق
هناك لوامع في الطريق تقابلنا من البشر , يكونوا أكثر سطوعا و تأثيرا علينا من غيرهم,
منهم من يدعوننا و منهم من يصدوننا ومنهم من قد يضللوننا.
وفي طريقي الذي لم ينتهي قابلت شخصيات عده تسطع عن الاخرين فهم لوامع بطرقهم المتباينه,
فجميعنا يقابلهم كل يوم في حياته ولكن يكونوا اكثر تاثيرا علي بعضنا دون الاخرين،
وهؤلاء بعض من لوامع طريقي الذين ساهموا في رسمه.
اولا عائلتي
الشخصيتان الرئيسيتان في أسرتي بالطبع هم “أبي”و “امي”,وهما مختلفان كثيرا عن بعضهما
“امي”كانت أول المؤثرين في علاقتي بالله, فقد منّ الله علي “أبي” بالزوجة الصالحه في ذلك.
كانت تَحُثني و إخوتي للصلاة و الطاعه, و حسن الخلق, و اللسان المرطب بذكر الله دائما ,
وكنت أراها تتفرد بقوتها في الحق, و بقلب حنون للغريب كما القريب علي حد سواء.
في صغري كنت أري أشياء منها لم أكن أري مبرراتها فكانت تشعرني بالحرج, ولكني أدركتها حالما أدركت.
وأبسط الامثال..كأن نصادف آطفال متسولون في طريقنا عائدين للمنزل, أطفال لا نعلمهم و قد أهرب خوفاً منهم ,
تراهم يتشاجرون و كأنهم يتقاتلون ,فأجدها في وسطهم تنصحهم و تنهاهم و تعظهم,
وانا في قرارة نفسي أقول(مالنا بس إحنا و مالهم, عايزين نروح بيتنا بقي)…
ولكنا لا نغادر الي أن يُحل الخلاف،
.قد كانت اكثر الشخصيات عقلانيه و عطف قد يقابلها أي أحد.
“أبي” اختلف عن “أمي” كثيرا, كحال الرجال و النساء,, فيده غالبا ما كانت منطقه الآسبق في المواقف الطارئه,
و كان هذا مُفلح في المواقف التي لا تحل إلا بالشده, يجعلك هذا تهجر بعض الاخطاء ولا تعود لمثلها ثانية ابدا .
وكان لابي اصدقاء علي غير ديننا و كنا في تلاحم عائلي معهم, و كانوا بداية حيرتي المؤلمه.
و أما عنهم فلم تدعوا ألسنتهم لأي فكر ديني قط ,و لكن دعوتهم كانت تكمن في حسن أخلاقهم و حفاوتهم و حبهم لنا.
في أعيادهم و في المناسبات كانت دور العباده لديهم ترسل لهم بهدايا كانوا يتشاركون فيها معنا,
و كانت شرائط فيديو مثلا وكلها دينيه، كنت تقريبا أحفظها عن ظهر قلب و أشاهدها مرارا و تكرارا وأتأثر بها,
لم يمنعني من ذلك احدا.
ثانيا صديقاتي
اما عن صديقاتي ..فلم اكن شخصيه اجتماعيه علي الاطلاق و لكن اظنني كنت محبوبه من الجميع
و كان لي ايضا صديقه او اثنين علي غير ديني ولكني لم أشعر حينها الا بالانجذاب بالتواضع و الطريقه اللينه التي يتحدثون عنهما،
وان من صفعك علي خدك الايمن فأدر له الايسر كي يصفعه
,إلا إن “أمي” دون اي انتقاد لآفعالي كانت تجذبني إليها بإلتزامها الذي جعلنا نحرص علي فرائضنا
الا اني كنت لا أزال أترنح بين الدين و الدنيا.
إلي أن فُجعت بوفاة “أمي” وكانت صفعة تعادل ألف صفعه من “أبي”.
كنت في الرابعة عشر من عمري, و كنت أحاول السير علي الطريق التي كانت “أمي” تتمناه لنا ,
و مهما إرتكبت من أخطاء كنت أعود أخر الليل و أرجع الي الله ,و اعوض ما فاتني من فرض
و إن كانت فروض اليوم كله.
الرحلة الى الله
وفي سن السابعة عشر خلال دراستي الجامعيه إلتقيت بِأكثر فترات حياتي تعقيدا.
في البدايه كان ذهابي الي مسجد الكليه لإقامة الصلوات المفروضه فقط,
إلي أن أتتني فتيات المسجد تدعونني لحضور الدروس الدينيه باكرا قبل بدء المحاضرات.
فإستجبت لدعواتهن ,فقد بدي عليهن الصلاح, و كان لدي نهم لمعرفة المزيد.
فوجدت في هذه الدروس الصباحيه الباكره شفاء لقلبي, ,كأنني شحنت بكل ما في الكون من قوه,
فهجرت كل ما لا يرضي الله تعالي ,وحاربت نفسي حتي انتصرت لله علي خبيثها.
وبدأت أتعمق في هذا الأمر وأذهب لدروسٍ داخل الكلية و خارجها وتعرفت لفتيات أخريات من مساجد شتي كلهن صديقات في الله.
ثم وجدت نفسي في جماعة ينتمون الي حزب يتمتع بيسر وسلاسه في الدعوي ,
وكنت فيهن كواحدة منهن منذ الآزل,
ليس لي مبدئ سوي مبادئهن, ولا أخاطب أحد الا بالسنتهن.
إلي يوم بدأت فيه الإنفتاح ومناقشة الاخريات في دين الله .فجذبتني إحدي الفتايات بحصين تقواها.
كنت كلما يسرت في أمر من شئون الدين تشددت هي به, إستنادا علي ان من يعظم شعائر الله فإن ذلك من تقوي القلوب.
وبالتدريج بدأت تروقني هذه القوة بالله,, و أصبحت أري من كنت فيهم بالأمس من أناس ميسرين و لدين الله مبشرين
ألي أناس بكل ما لديهم لله غير باذلين.
فإنخلعت عنهم وإنغمست في الحزب التقي، ومرة اخري أصبحت أري العالم بأعينهن بشكل مختلف تماما عن ذي قبل,
كانت قيمتهن تكمن في ثيابهن , لا في أثمانها , و لكن في أعدادها,من كانت ترتدي أكثر كانت الاكثر تقوي,
و كلما قسوت علي نفسي, كلما إرتقيت في الدرجات, و إزددت تقوي بتعظيم شعائر الله.
كنت أتمني أن أكون الأقرب الي الله ,فجاهدت كل قيودي من أجل هذا, في البيت ومع الاقارب ,حتي في الجامعه قاطعت كل زملائي الرجال حتي بإلقاء السلام عليهم.
وحينما كان بيني وبين أقصي مراحل التقي الظاهري خطوة واحده , توقفت قليلا,
فما كان “أبي” أبدا ليسمح لي بتغطية وجهي…. فإبتاعت لي إحدي صديقاتي التقيات غطاءا للوجه رغم ذلك,
و أخبرتني أنها إرتدته رغما عن أهلها ,, فإنه لا طاعه لمخلوق في معصية الخالق.
ولكني خشيت غضب “أبي” كثيرا..فوازنتها في قلبي فلم أجد فيه أكبر من مخافة الله و لا أعظم من محبته,
و حددت يوما مناسب لخطوتي التاليه.
وفي اليوم السابق لإرتدائه إستوقفني عقلي في هذه المره..أليس بر الوالدين من أُسس طاعة الله!!!!
أو ليس غطاء الوجه هذا مع حبي له ,إلا إنه زيادة في الطاعه , و إبتغاءا لمرضاة الله!
فمالي أترك الأساس من أجل الزياده؟!
وبعد سماعي لكثير من الفتاوي والاراء, إستفتيت قلبي , فوجدته مطمئن إلي الصبر و الدعاء, لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..
إلي اليوم الذي ذهبت للمسجد فيه كالعاده لاصلي ,فإذا بجماعه من الفتيات يصلين ,فصليت قريبة منهن
,و كأنهن أميرات مشرقات,و انا جارهن ألتمس من بعض أنوارهن,و بفروغي من الصلاة وجدت منهن هجوما علي لم أري مثيله من قبل هذا الحين, و اتهامات لي بالإستهتار و التقصير في جنب الله و عدم إحترام حدوده..فإني لم أتخذ غطاءا لوجهي
كل هذه التهم , و لم أكن أختلف عنهن في كامل ثيابي إلا بغطاء الوجه,لم يكن أكثر مني إحتشاما أو طاعه أو أي شيء غير إنهن يحجبن وجوههن.
تلقيت منهن كلمات كالخناجر في ديني و قلبي و إخلاصي لله,وذهبت بها باكية الي المنزل,وفي قرارة نفسي الابتعاد عن كل من يتهمني في إخلاصي لله.
حينها قررت القرأة في كل المذاهب و الطرق إلا أني مكثت في أخر ما كنت به من مذهب متشدد رغم أني قد هجرت أصحاب مذهبي هذا من الفتيات.
ولما إشتدت الريبه في قلب “أبي” من غريب احوالي و تقلب أفعالي ,فقد خشي علي الإنجرف في تيار يؤذيني أو يأخذني بعيدا, و عند الفرصة الاولي بعث بي مع أقارب يعلم بحبي لهم ,رغم أنه لم يحب لي ان احذو حذوهم ،إلا انه كان يريد ان يدفعني الي اي طريق مغاير لما انا به و كان يري بهم الصلاح الا انه مفرط القلق علينا.
ذهبت وأنا علي خلفيه مما قد اسمعه من إنتقادات, فأعددت عدتي من أدله و أحاديث و كل ما تعلمت في الفترات السابقه, و كأنني مقبله لخوض حرب ضاريه,فقد كنت أخشي علي ديني برغم علمي انهم لطلما كان اسلوبهم معي أشبه باسلوب “أمي” الناصح الحاني.
أقبلت عليهم وانا أري في نفسي صورة الفارس المقدام الذي سيأخذ بالقوم من الظلمات إلي النور بيقيني و كثير قرأتي و قوة حجتي.
.ولكن صدمة ما دار بيننا من نقاش أفقدتني أي حجه , او اي منطق, فلم يكن الحديث لعقلي فألجأ إلي حجة ما, كما لم يكن إستضعفاٍ لقلبي, لم يكن ما يدور بأي منطق أعرفه علي الإطلاق.
ولم يكن حزب أو منهج من ما قرأت في أيٍ من الكتب .
!!تسألت,,ألا يجب أن نتبع منهج معين لنا و أن نخطو علي خطي من سبقونا!! فمن يتبعون إذا !! و الي أي الاحزاب إنتمائهم.
..و كانت ليلتي هذه الليلة الفاصله,فلم أكن علي هذا القدر من التخبط يوما,و لم أذرف دموعا من فرط حيرتي يوما,ولم أكن بما أنا فيه من حال قبل هذا اليوم.
و تناوبت علي كل الطرق التي سلكتها و كل الشخصيات المؤثره في حياتي, كأنني أحلم في يقظتي, و ببلوغي غاية الحيره و الضوضاء والفوضي فإذا بكل هذا ينجلي, و لم يبقي إلا سؤال يتردد في أرجائي…
لمن كان كل هذا منذ البدايه؟؟
ما الذي دفعني لخوض كل هذه السبل؟؟
حب الله
.فما وجدت إلا حب الله الذي أستقينا إياه من “امي”, لم يكن كل هذا إلا لله, و لو توجب علي جهاد أهل الارض جميعا, لكنت فعلتها في سبيل حبه ومرضاته.
وفي تلك اللحظه من الصفاء تخليت بل و تبرأت من كل طريق, أمام الله .. وفوضت امري كله اليه فهو غاية سؤلي و مرادي و كل ما دونه سبيل اليه .
ولم تمضي هذه الليله حتي فصل الله في أمري. فعلمت ان القوه في تجمع الطرق لا في تشتتها و ان هذه الفرقه التي حلت بامتنا انما هي سبب ضعفها وان دين الله واحد و غاية كل مؤمن واحده .فكان هذا هو شعاع النور الذي ابصرت به كيف الوصول اليه.
لم يكن هؤلاء و حسب من كانوا في الطريق و قابلتهم ,لكنهم اللوامع,
كانت هناك أدوار ثانويه لأخرين ,منهم من قد يحبونك او ينفرون منك فقط لظاهرك,
و من لا يروا فيك إلا قلبك,ومن لا يروا منك إلا جيبك, و من يستغلون, و يحقدون, أو يُشفقون
و من هم عديمو الصلة بالله فلم يتخذوا دينا حتي,,وهناك من هم مريضه قلوبهم.
و سواء كان طريقك مزين بالورود أو مرشق بالأشواك, إلا إنه وجب عليك التأكد من صحته,
فلا تكن أبدا مجرد إمعه ,و لا تلقي بالأ للجهلاء فيما أفاض الله عليك من الخير,
مادمت علي يقين من أمرك,فليس لهم أن يحكموا علي ما قد جهلوا.
وأختم بقولٍ إنما هو في محله للشيخ”محمد متولي الشعرواي“رضوان الله عليه…
لا تُلـقِ بـالاً للعـذولِ فـإنّـه *** لا رأي قطُّ لفاقـد فـي واجـدِ
لو ذاقَ كانَ أحدّ منـك صبابـةً *** لكنّـه الحرمـان لـجَّ بجاحـد
سر في طريقك يا مريد و لا تًعِرْ *** أذناً لصيحـة منكـرٍ و معانـد
لا يستوي عند العقولِ مجاهـدٌ *** في الله قـوّامُ الدّجـى بالرّاقـد.