الوعي الصوتي
إن رياح الربيع العربى لم تحمل التغير السياسى وحسب، بل رافق ذلك رياح النشاط اللغوى،
فنجد نسائم الإحياء تهب على كل قطر عربى متمثلة فى إحياء لبعض المصطلحات العربية التى كادت تندثر،
إن تلك الرياح حملت دفعة من التجديد اللغوى للعربية، حيث استخدم الثوار أبيات الشعر الأصيلة
مثلاً فى تونس استخدم شعر الشابى:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
كيف أثرت الأحداث السياسية على الاهتمام باللغة العربية ؟
و فى مؤتمر مجمع اللغة العربية فى دورته الثامنة والسبعين(2012م)، أقر الأعضاء أن الاهتمام بالمفردة اللغوية
بدأ يزداد داخل المجتمع العربى مع الأحداث المتسارعة، حتى لجئت المؤسسات ذات العلاقة المباشرة بالعالم العربى إلى تعليم العربية لمنسوبيها،
وزيادة أعداد المختصين فى الشئون العربية والإسلامية، واتجهت إلى حشد الخبرات والتعمق فى فهم هذه اللغة،
والمبادئ الإسلامية التى ترعاها وتسير وفقها هذه الشعوب،
حتى أصبحت كلمة مستشرق لا تقتصر على ذلك الصوت المحدود المتفرد فى فهم لغة العرب والتشاغل بها.
وقد ظهر أن سعى الشعوب الإسلامية الناطقة بغير العربية نحو تعلم العربية وتعليمها
يفوق فى حماسته ما تبذله الشعوب العربية من جهود فى حماية العربية ونشرها،
ومما ساهم في ذلك الانفجار المعرفي الذى نشهده فى عصرنا الحالى فى خدمة الحاسوب وتطورات استخدامه.
أهمية تعلم اللغة العربية الصحيحة للتواصل مع العالم
إن العالم اليوم قرية صغيرة بفضل تطور وسائل الاتصال، ولكي يكون الإنسان على اتصالٍ بهذا العالم –
والذي يأتي كل لحظةٍ بجديد في مجالات العلم والتكنولوجيا والسياسة والاقتصاد والتربية وغيرها-
فلا بد من إتقان اللغة العربية، ومن ثم تعليمها كلغة ثانية للناطقين بلغات أخرى ؛ ليكون الآخر على علم ودراية بما يجري من تشويه متعمد للحضارة العربية،
وليُعدّ العرب أنفسهم لمجاراة المستجدات والتكيّف معها، و انفتاح الآفاق للتفاعل الثقافي مما يساعد في التفاهم مع الآخر
خاصة مع ازدياد رغبة الآخر في التعرف على ثقافتنا العربية، فحسب تقرير واشنطن عام ٢٠٠٥ فإن عدد دارسي اللغة العربية قد بلغ ١٢٠٠٠ طالبا طبقا لإحصاء الرابطة الأمريكية للغات الحديثة ،
وذلك بزيادة ٧ آلاف طالب عن العام الدراسي السابق لهجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ م.
مما جعل من الأهمية بمكن إعداد برامج تتناسب مع المتغيرات الحادثة وتطورات الدرس اللغوي العالمية.
ما أهمية الوعي الصوتي ؟
لقد ظهر اهتمام عالمي بتعليم أصوات اللغات بشكل واضح والبعد عن تضمينها في الدرس اللغوي،
فاللغات كما عرفها ابن جني (ت 392ه) :”حدها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم” ؛
اشترط التعبير بالأصوات الصحيحة حتى ينطبق وصف اللغة،
وذلك لأن اللغات لا تعد حية حتى تنطق ويعبر عن معانيها بأصوات صحيحة عند أهلها؛
فإذا اختل نطق الصوت وخرج عما وصفه أهل اللغة واستخدموه ؛ لم يصل المعنى المراد إلى المستمع.
من هنا وجب صرف الانتباه إلى تعليم الأصوات بطريقة صحيحة، حفاظًا على اللغة.
ويعتمد في النطق الصحيح للغة على مدى وضوح الصوت في ذهن المتعلم لها-
خاصة إذا كان هذا المتعلم من غير الناطقين باللغة وكان الصوت غير مألوف له في لغته-
وهو ما يعرف علميًّا بـ الوعي الصوتي ، حيث يدرك المتعلم المخرج الصحيح للحرف وطرق نطقه في مواضعه المختلفة
سواءً كان منفردًا أو كمقطع أو جزء من كلمة في الجملة.
و قد أشار محمود سليمان أن”دراسات عدة أكدت أن التدريب على الوعي الصوتي يسهم في علاج صعوبات القراءة
(Mann,1994,pp67-84) و(Torgeses,1998,p56) و (Gorden&Lynn,2002,pp152-157)
ومن ثم يمكن القول : إن ضعف الوعي الصوتي والفونيمي هو أحد الصعوبات الرئيسية لتعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها،
وإهمال التدريب المنظم على أشكال الوعي الصوتي يصحبه قصور في السيطرة على مهارات أداء اللغة العربية والتواصل بها ؛
فلا يحسن المتعلم التحدث والفهم، ولا القراءة والكتابة، فلا السامع يفهم مراد المتكلم ولا القارئ يفهم النص المقروء.
ما تعريف الوعي الصوتي ؟
إن الوعي الصوتي (الفونولوجي) يعني امتلاك القدرة على معرفة أماكن إنتاج الأصوات اللغوية وكيفية إخراج هذه الأصوات
والكيفية التي تتشكل بها هذه الأصوات مع بعضها لتكوين الكلمات، و الجمل والألفاظ
مع القدرة على إدراك التشابه والاختلاف بين هذه الأصوات سواءً جاءت هذه الأصوات مفردة،
أو في الكلمات والتعابير اللغوية المختلفة.
من الناحية العلمية فإن الوعي الصوتي (الفونولوجي) يعني امتلاك لقدرات تتجاوز اللغة،
إلى ما وراء اللغة بمعنى القدرة على التنغيم، وتقسيم الجملة إلى كلمات،
والكلمات إلى مقاطع والمقاطع إلى أصوات إضافة إلى مزج الأصوات لتكوين الكلمات.
مهارات الوعي الصوتي
وتقاس هذه القدرة عن طريق تقطيع الكلمات إلى مقاطع أو فونيمات، وعن طريق مقارنة المبنى الصوتي للكلمات، وذلك عن طريق عزل الفونيم الأول أو الأخير من الكلمة، ومزج الفونيمات أو المقاطع لتكوين وتركيب كلمة.
هذا وتتمثل مهارات الوعي الصوتي (الفونولوجي) في إدراك أن اللغة مكونة من كلمات و مقاطع وأصوات وأن هذه المكونات يمكن تشكيلها بطرق عديدة ذات ارتباط وثيق تؤدي إلى النجاح في القراءة في المستويات المبتدئة.
ومما سبق يمكن القول أن الوعي الصوتي يتعلق بالتمييز السمعي الجيد. فمن يصعب عليهم التمييز السمعي أو لديهم مشاكل في المجال السمعي، يصعب عليهم أيضًا تطوير الوعي الصوتي. مع العلم بأن التمييز السمعي السليم لا يضمن تطور سليمًا للوعي الصوتي.
كما يتطلب الوعي الصوتي قدرة ذهنية خاصة وهي القدرة الميتا اللغوية، وتعني القدرة على تحليل المبنى الصوتي للغة.
أي القدرة على تمييز قافية الكلمات وإدراك المبنى المقطعي للكلمات (تقطيع كلمات إلى كلمات).
وهذه القدرة تشكل عاملا مهمًّا وخطوة أولى في تحصيل الوعي الصوتي للفونيمات.
المراجع
ممدوح نور الدين عبد رب النبي محمد: 2009م “برامج الحاسوب في تعليم العربية” دراسة مقارنة، المؤتمر العالمي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، الرياض،، ص338
ابن جني: الخصائص 1/13
محمود جلال الدين سليمان: 2006م دور التدريب على الوعي الصوتي في علاج بعض صعوبات القراءة ،الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، المؤتمر العلمي السادس المجلد الأول ، القاهرة ، ص163
شيماء مصطفى العمري: 2011م فاعلية برنامج مقترح لتنمية الوعي الصوتي في اكتساب مهارات الاستماع والكلام لدى المتعلمين للغة العربية من غير الناطقين بها، رسالة دكتوراة، معهد الدراسات التربوية، جامعة القاهرة،