حى القلعة يعتز بعراقته حقا, عددا كبيرا من المشاهير ولدوا وترعرعوا هنا. فى الأيام القديمة كان مشاهير الناس أكثر منهم الأن , وكانوا أكثر شهرة. كانت زنوبة فى الصيف الماضى مدعاة لفخرنا… زنوبة بائعة خضار , وأسعد مخلوق فى العالم والأكثر فتنة فى شارع “مراسينا”, حيث تشرق الشمس فترة أطول مما تشرق فى أطراف القلعة الأخرى لكن زنوبة ماتت فى الصيف الماضى , ماتت فى الشارع فى منتصف أحدى الرقصات , وباعتبار أن الناس لا يموتون هكذا عادة فأن قصتها جديرة أن تروى .
أمرأة متناهية المرح , ودودة الى حد أنها لم تستطع أن تعيش فى سلام مع من أتخذها زوجة . ولم يفطن رجلها الى ذلك فهو رجل قبيح يصرخ ويشتم ويطوح بيديه ويهدد الناس بسكينه التى يحملها دوما بين طيات ملابسه حتى غرزها ذات يوم فى خاصرة أحدهم, والشرطة لا تحب مثل هذه الأمور , وهكذا ارتحل عزوز بعدما أمضى عقوبته سجينا. وهكذا بقيت زنوبة وهى شابة فى الثلاثة والعشرين من عمرها مع أبنتها الصغيرة ذات الخمس سنوات وعربة صغيرة,تبيع عليها الخضار ولما كانت زنوبة خلية الفؤاد فهى لم تكن فى حاجة الى أكثر من ذلك , تعرف كيف تؤدى عملها والكثيرين على أهبة الأستعداد دائما لمعونتها وحين لا يتوفر لديها مال فهى تسدد أجورهم ضحكات أو أغنيات أو أشياء أخرى أكثر من المال قيمة على الدوام. لم توافق جميع النساء على أسلوبها فى الحياة, ولم يوافق جميع الرجال أيضا , لكنها مخلصة صادقة , تترك الرجال المتزوجين وشأنهم بل توفق بينهم وبين زوجاتهم فى أغلب الأحيان..وكانت تردد “الرجل الذى يخيب فى حب زوجته لا يعرف كيف يحب أبدا”. ظلت زنوبة طوال عشر سنوات تتلألأ والجميع يعرفون أنها المرأة الأكثر بهجة والراقصة الأكثر مهارة فى الحى , تمتلىء سعادة وتفيض على الأخرين وترضى الجميع , حتى صديقاتها اللواتى فهمن فى أخر المطاف أن المرء لا يمكن أن يبدل نفسه وأن الصالحين أنفسهم لم يقدروا على الدوام أن يتغلبوا على شهواتهم كما أن الرجل ليس هو الله , ووحده الله من لا تجوز خيانته.