أبطال أدوار الشر في السينما المصرية
قضية فنية كبرى، ومثيرة للتساؤل دائماً، والاهتمام، فمن يتمكن بتأدية دور الشر بهذه الدرجة من الصدق، أمام الشاشات، بحيث يُخلد صورة الشر به وحده، هو ممثل قدير بحق ، وفي هذا المقال سنتحدث عن أبطال أدوار الشر في السينما المصرية، و الوجه الاخر لهولاء الفنانين.
ولطالما كانت رموز الشر في السينما المصرية مقسمة إلى أبطال، قاموا باستخدام أدواتهم كممثلين محترفين لإقناعنا بكل هذا الكم من الشر، وكذا أدوار فرعية، دائماً ما يتربط وجودها بوجود أحد هؤلاء الأبطال بأحد أفلامهم.
ولكن ما الذي احتوته حياة هؤلاء حتى يقدموا كل هذا الصدق في أداء الشر ؟ وهل انتقل كل هذا العنف والضغط النفسي على زملائهم أو صانعي الأفلام؟ هذا ما سوف نتعرف عليه من خلال أهم ملامح الحياة لثلاثية الشر الأكثر شهرة في السينما المصرية زكي رستم، ومحمود المليجي، وعادل أدهم.
أبطال أدوار الشر : زكي رستم
بالنظر إلى حياة زكي بك رستم، نجد أن هناك من الارتباطات التي يُمكن أن نؤكد بها طريقته الصادقة في أداء أدوار الشر حيث يعتبر زكي رستم أشهر أبطال أدوار الشر في السينما المصرية، والتي كانت تتمثل في قوته البدنية، وجحوظ عيناه، وونبرة صوته المرتفعة دائماً.
فلقد وُلد زكي لأسرة أرستقراطية تقطن إحدى السرايات بحي الحلمية بالقاهرة، وكان متمرداً منذ صغره، ودفعه تمرده لأن يكره العادات والتقاليد، والضوابط والنواهي، والأوامر التي جعلته بالتالي يرفض استكمال تعليمه بعد حصوله على الشهادة الثانوية، والتمسك بقرار الانتصار لهواية التمثيل التي يعشقها.
عانت والدته من إثنائه عن قراره هذا، حتى حزنت، وأصيبت بالشلل حتى وفاتها. ورغم ذلك فقد نجح في الانضمام إلى فرقة جورج أبيض بمساعدة الفنان القدير عبد الوارث عسر، ويُذكر أيضاً أنه قد فاز بقلب بطل مصر الثاني في حمل الأثقال وذلك في عام 1924.
ومن بين ما عناه زكي رستم، وتسبب في عيشه وحيداً، حتى لحظة وفاته هو تلك المرأة التي أحبها بشدة، وبادلته الحب، ذلك الحب الذي رفضه والدها، ولخوفها من أثر رفضه على زكي الذي توجه لمقابلة والدها وطلب يدها بالفعل، انتحرت الفتاة وهذا ما فوجيء به زكي فور وصوله ليلتها لمنزلها.
عُرف عن زكي بك رستم أيضاً “وسوسته”؛ فهو شديد النظافة، وشديد النظام، يعيش في منزل فاره بعمارة يعقوبيان بـ26 يوليو بالقاهرة مع خادم وحيد وكلب وولف، لا يحب الإزعاج، أو أن يقتحم أحد خصوصياته.
ينتمي زكي رستم إلى مدرسة الاندماج، وهي واحدة من أصعب مدارس التمثيل، والتي جعلت كل من بحياته يشكو من أن اندفاعه غالباً ما يكون حقيقياً، حتى مساعدي المخرجين أو العاملين في مواقع التصوير، كثيراً ما نابهم منه من الصراخ، أو الضرب ما كان ينوبهم نتيجة اعتقاده أنهم يقتحمون خصوصياته، أو أنهم يهزأون بقدره.
أبطال أدوار الشر : محمود المليجي
بالنظر إلى حياة المليجي نجد اختلافاً جوهرياً بينه وبين زكي رستم به.
فهاهو ابن قرية مليج بالمنوفية يعلن عن نفسه وسط صفوف الممثلين الشباب منذ دراسته بالمدرسة الخديوية والتي كانت تشجع التمثيل، وكان يعلم التمثيل فيها جورج أبيض وعزيز عيد وغيرهم.
حفزه تشجيع أساتذته له وعلى رأسهم عزيز عيد، على المُضي قدماً نحو طريق أكبر من التميز مما جعل فاطمة رشدي تتحمس له، وتساعده على الانضمام إلى فرقتها.
حيث بدأ طريقه في تجسيد العديد من الأدوار على خشبة المسرح، وعندما ذاع صيته، بدأت عدسات السينما تتجه نحوه.
لا يمكن أن تحدد للمليجي أداءاً تقليدياً، فهو ينتمي لمدرسة التجسيد والتقمص.
نعم .. فبالرغم من أدائه للشر في أفلام متعددة، ولكن كان دوماص يحرص على أن يكن لكل دور لون مختلف، وطعم مختلف، هذا بالإضافة إلى أدائه الطبيعي الذي أبهر جميع المخرجين وعلى رأسهم يوسف شاهين والذي كان على حد قوله يخشى عيناه عند التصوير.
كان المليجي صادقاً إلى حد كبير، ولهذا تألق منذ بداياته وحتى آخر أعماله “أيوب” والذي توفى أثناء تصويره له.
في حياة المليجي العاطفية أسراراً كثيرة، على رأسها وفاة والدته والتي أصابته بأزمة نفسيه ساعدته في تجاوزها الفنانة علوية جميل، زميلته في المسرح، وزوجته الأولى، والتي عانى فيما بعد من غطرستها بسبب عدم قدرته على الإنجاب، وهو الأمر الذي كانت دوماً تذكره به.
كما كانت الفنانة لولا صدقي هي أول امرأة يحبها بصدق، ولكنه اكتفى بحبها فقط ولم يتسطع الزواج منها خوفاً من علم علوية بذلك. ورغم بقائه لوقت طويل زوجاً لعلوية جميل، إلا أنه تمرد في نهاية السبعينات وتزوج سناء يونس سراً، وذلك بالاتفاق معها لكي لا تعلم علوية، وهو أمر لم تعلنه سناء إلا فيما بعد.
ربما حب المليجي لأداء أدوار الشر، والتي تألق خلالها، ولم يتنافى معها أدوار أخرى كالأب الصالح، أو الطبيب النفسي، فجميع أدواره يستعد لها بمنتهى البراعة، ويؤديها بشكل تلقائي مرعب ومثير لكل معاني الإعجاب لزملاء المهنة، وصانعي الأفلام.
ولهذا نقول أنه تأتي بعض ردود الأفعال العكسية في صالحنا بأوقات كثيرة؛ فضعف الشخصية ينقلب إلى قوة بحضور الجميع، والحرمان من الإنجاب يؤدي إلى عاطفة أبوة قوية وحقيقية أمام الكاميرات، وهذا ما يمكن أن نبرر به أداء المليجي، وبراعته الشديدة.
عادل أدهم
ولد “البرنس” كما يلقبه محبيه بحي الجمرك بالإسكندرية لأب كان يعمل موظفاص حكومياً كبيراً، وأم كانت من أصول تركية يونانية، وعاش حياة البذخ والترف، وكان شديد الكرم مع نفسه ومع من حوله.
كما مارس عادل أدهم في صغره الرياضة التي جعلته يحافظ على رشاقته حتى أواخر أيامه؛ فلعب الجمباز وتفوق فيه، كما مارس السباحة، والملاكمة، والمصارعة، وعُرف في بداياته بكونه راقص بفرقة علي رضا، حتى أتته فرصة التمثيل فقدم أدواراص صغيرة، رغم اعتراض أنور وجدي عليه كممثل.
نجح عادل أدهم في تخطي حواجزاً متعددة، وصنع اسمه بحروف من نور على شاشة السينما المصرية، وبرز في أدوار الشر، والتي يعتبر سر نجاحها، هو تجسيده للشر في جميع المستويات، وجميع الأوضاع الاجتماعية، وكان لكل دور سماته، خصائاصه التي احترمها الفنان، وقدمها ببراعة، عاشت بها حتى يومنا هذا.
وبالنظر إلى الحياة العاطفية لعادل أدهم فنرى اعترافه بأن علاقاته النسائية متعددة، وأنه كان يستمتع كثيراً بشعور الحب، حتى وإن لم يستطع الزواج. ولكننا نكتشف وجود الفتاة “ديمترا” اليونانية التي انت منه ومن قسوته وشربه المبرح، مما اضطرها للهرب إلى اليونان وهي حامل بابنهما في شهرها الرابع.
وفجرت صديقة لديمترا مفاجأة لعادل عندما أعلمته بمكان ديمترا وأن له ابناً يحمل نفس صفاته وملامحه، فاندفع إلى اليونان، وطلب مقابلتها، ومقابلة ابنه، ولكنها نصحته بعدم فعل الأمر مرة أخرى.
توجه عادل إلى المطعم الذي يمتلكه ابنه، وعندما عرفه بنفسه، أنكره الإبن، وقال له: مافائدة أن تعود للبحث عني بعد مضي 25 عاماً ! وإن كنت أبي فأنا لا أريدك.
عاد عادل وهو يحمل في نفسه مرارة، ولم يحصل من الزيجات بعد ديمترا غير لمياء السحراوي، تلك التي أحبته، وطلبت يده للزواج وكانت ابنة 17 عاماً، وكانت هي المرأة اليت استقر معها حتى آخر أيام حياته.
بالنظر إلى حياة عادل أدهم نلاحظ أن كونه ابناً وحيداً لعائلة مرفهة، وتعدد علاقاته النسائية.
وكذا قسوته مع المرأة التي حملت بطفله الأول، والذي تلقى جزاءه به بعد أن أنكره ابنه، جميعها عوامل لا يمكن أن تبتعد لحظة أمام عينه، وعواطفه التي تشكلت إثر تعرضه لهذه الخبرات، وجعلته يجسد الشر بهذا الشكل الحانق.