مجاعة البطاطس الأيرلندية : إليك قصة مجاعة أيرلندا الكبري
بدأت مجاعة البطاطس الأيرلندية المعروفة أيضاً بإسم الجوع العظيم، في عام 1845م عندما انتشر كائن حي شبيه بالفطريات يسمى Phytophthora infestans بسرعة في جميع أنحاء أيرلندا، و دمرت هذه الفطريات ما يصل إلى نصف محصول البطاطس في ذلك العام.
و كانت البطاطس تعد الغذاء الرئيسي للفقراء وقتها، كما دُمر حوالي ثلاثة أرباع المحصول على مدى سبع سنوات من بعد ذلك.
حيث عاني المزارعين المستأجرين في أيرلندا الذين اعتمدوا بشكل كبير على البطاطس كمصدر للغذاء لهم من تلك الكارثة.
كان للإصابة تأثير كارثي على أيرلندا و سكانها، قبل أن تنتهي في عام 1852، أسفرت مجاعة البطاطس عن وفاة ما يقرب من مليون إيرلندي من الجوع و الأمراض الناتجة عن سوء التغذية.
و كذلك اضطرار مليون شخص آخر إلى مغادرة وطنهم أيرلندا كلاجئين.
1- مجاعة البطاطس الأيرلندية : الجوع العظيم في أيرلندا
أدت مجاعة البطاطس الأيرلندية أو الجوع العظيم في أيرلندا إلى أكبر خسارة في الأرواح في أوروبا الغربية في المائة عام بين الحرب النابليونية و الحرب العالمية الأولى.
و سقطت عائلات و قرى بأكملها في حالة من المجاعة و العديد من الأمراض المصاحبة.
اجتاحت الكوليرا و الحمى القاتلة و الزحار و الاسقربوط و التيفوس السكان.
مات الناس بأعداد كبيرة لدرجة أنه كان من المستحيل تسجيل جميع الوفيات أو صنع توابيت كافية للدفن.
حتي أنه تم استخدام توابيت تسمي بـ “توابيت المصيدة”، و التي تم صنعها بباب يشبه المصيدة من الأسفل، و بمجرد وصول التابوت، يتم وضعه فوق القبر و فتح باب المصيدة لإسقاط الجثة فيه، تاركين التابوت جاهزاً للضحية التالية.
حتى يومنا هذا، في جميع أنحاء أيرلندا، تحمل المناظر الطبيعية شهادة صامتة على الأحداث التي وقعت في الفترة الرهيبة من عام 1845 م إلى 1850 م.
و تقدم مقابر المجاعة تكريماً صامتاً لملايين الرجال و النساء و الأطفال الإيرلنديين المدفونين في تلك المقابر الجماعية.
في ذلك تم تحويل الكثير من القرى المزدهرة إلي مقابر جماعية مصنوعة بأكوام من الأحجار المغطاة بالطحالب.
و على الرغم من أن المؤرخين لم يتفقوا على الأرقام التي ماتت بسبب مجاعة البطاطس الأيرلندية ، إلا أن معظم التقديرات تتراوح بين مليون و ثلاثة ملايين.
اقرأ ايضًا: أبرز أسباب الوفاة في العالم : إليك 10 مسببات
2- أيرلندا في القرن التاسع عشر
تم إصدار قوانين من الاتحاد (أيرلندا و بريطانيا) في عام 1801، حُكمت أيرلندا فعلياً كمستعمرة لبريطانيا العظمى حتى حرب الأستقلال في أوائل القرن العشرين.
حيث كانت تجمع الدولتين و يُعرف باسم المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى و أيرلندا.
و بناءً علي هذا، عينت الحكومة البريطانية الرؤساء التنفيذيين لأيرلندا.
أرسلت أيرلندا 105 أعضاء ممثلين للحكومة و الشعب إلى مجلس العموم (مجلس النواب) و 28 شخصاً من أصحاب الأراضي إلى مجلس اللوردات (مجلس الشيوخ).
و مع ذلك، من المهم ملاحظة أن الجزء الأكبر من هؤلاء الممثلين المنتخبين كانوا من ملاك الأراضي البريطانيين أو أبنائهم.
بالإضافة إلى ذلك، تم منع أي أيرلندي المسيحين الكاثوليكين الذين كانوا يشكلوا غالبية تعداد السكان الأصليين في أيرلندا.
حيث تم منعهم من امتلاك أو استئجار الأراضي أو التصويت أو شغل منصب منتخب بموجب ما يسمى قوانين العقوبات.
على الرغم من إلغاء قوانين العقوبات إلى حد كبير بحلول عام 1829، إلا أن تأثيرها على المجتمع و الحكم في أيرلندا كان لا يزال محسوساً في وقت ظهور مجاعة البطاطس.
حيث امتلكت الأسر الإنجليزية و الإنجلو الأيرلندية معظم الأراضي.
و تم إرسال معظم الكاثوليك الأيرلنديين للعمل فيها حيث اضطر المزارعون المستأجرون إلى دفع الإيجار لملاك الأراضي.
من المفارقات أنه قبل أقل من 100 عام من بداية المجاعة، تم إدخال البطاطا إلى أيرلندا من قبل طبقة النبلاء.
و مع ذلك، و على الرغم من حقيقة أن نوعاً واحداً فقط من أنواع البطاطس كان يزرع في البلد.
إلا أنه سرعان ما أصبح طعاماً أساسياً للفقراء، خاصة خلال أشهر الشتاء الباردة.
اقرأ ايضًا: أقدم كتب في العالم : إليك أقدم 8 كتب موجودة على الإطلاق
3- مجاعة البطاطس الأيرلندية و بدأ الجوع العظيم
عندما أصابت محاصيل البطاطس تلك الفطريات في عام 1845 م، نتيجة لعدوى P. infestans، ألتمس القادة الأيرلنديون في دبلن الملكة فيكتوريا و البرلمان كي يساعدوهم في هذه الأزمة.
لكن في البداية، قاموا بسن بعض القوانين علي تجارة بعض الأطعمة الباهظة الثمن مثل الحبوب و الذرة و الخبز.
و مع ذلك، فشلت هذه التغييرات في حل المشكلة المتزايدة لمحنة البطاطس مع عدم قدرة العديد من المزارعين المستأجرين على إنتاج غذاء كافٍ لاستهلاكهم الخاص، و ارتفاع تكاليف الإمدادات و المحاصيل الأخرى.
و نتيجة لذلك مات الآلاف من الجوع، و مئات الآلاف بسبب الأمراض الناجمة عن سوء التغذية.
ما زاد من تعقيد الأمور في ذلك الوقت علي حسب ما ذكره العديد من المؤرخون أن أيرلندا واصلت تصدير كميات كبيرة من الطعام، بشكل أساسي إلى بريطانيا العظمى، خلال فترة المحنة.
و تم تصدير منتجات مثل الزبدة و اللحوم و أشياء غيرها.
حيث تشير الأبحاث إلى أن الصادرات ربما تكون قد زادت بالفعل من أزمة الشعب الأيرلندي خلال فترة مجاعة البطاطس.
في عام 1847 م، أشارت السجلات إلى أن السلع مثل البازلاء و الفاصوليا و الأرانب و الأسماك و العسل استمر تصديرها من أيرلندا، بينما يدمر الجوع العظيم الريفيون و الفقراء.
لم يتم التخلص من الفطريات التي أصابت محاصيل البطاطس بالكامل حتى عام 1852م.
و بحلول ذلك الوقت أصاب الضرر آيرلندا بأكملها لم يقتصر الأمر فقط علي الوفيات.
و أيضًا قام مليون مواطن أيرلندي بالهجرة من أيرلندا هرباً من الفقر و الجوع إلي مدن مختلفة في جميع أنحاء أمريكا الشمالية و بريطانيا العظمى.
اقرأ ايضًا: عجائب و غرائب الحيوانات أثناء غياب الإنسان
4- تراث مجاعة البطاطس
إن دور الحكومة البريطانية في مجاعة البطاطس و عواقبها سواء من خلال تجاهلهم لمحنة فقراء أيرلندا عمداً.
أو إذا كانوا وقتها غير قادرين علي حل تلك الأزمة، و قد أدي إلي تضاعف التأثير السلبي للمجاعة.
و مع ذلك، فإن أهمية مجاعة البطاطس (أو، باللغة الأيرلندية، An Gorta Mor) في التاريخ الأيرلندي، مساهمتها في حل الشتات الذي عانت منه أيرلندا أهمية كبيرة جدا غيرت تاريخ و مسار الدولة بأكمها.
حيث أصدر توني بلير، خلال فترة عمله كرئيس لمجلس الوزراء البريطاني، بياناً في عام 1997 م.
و قدم فيه اعتذاراً رسمياً إلى أيرلندا عن تعامل حكومة المملكة المتحدة مع الأزمة في ذلك الوقت.
5- نصب تذكارية للمجاعة الأيرلندية
في السنوات الأخيرة، قدمت المدن التي هاجر إليها الأيرلنديون، احتفالات و تذكارات مختلفة لهذا الحدث.
حيث تم إنشاء نصب تذكارية في بوسطن و نيويورك و فيلادلفيا و فينيكس في الولايات المتحدة.
و بالإضافة إلى مونتريال و تورنتو في كندا، و بالطبع في مدن مختلفة في أيرلندا و أستراليا و بريطانيا.
بالإضافة إلى ذلك، قام Glasgow Celtic FC، و هو فريق كرة قدم مقره في اسكتلندا أسسه المهاجرون الأيرلنديون الذين هاجروا إلى إسكتلندا نتيجة لتأثيرات مجاعة البطاطس.
و ايضًا قام الفريق بإضافة علامة علي زيهم الرسمي في 30 سبتمبر 2017 – لتكريم ضحايا مجاعة أيرلندا.
كما تم إنشاء متحف الجوع العظيم في جامعة كوينيبياك في هامدن، كونيتيكت كمورد لأولئك الذين يسعون للحصول على معلومات حول مجاعة البطاطس و تأثيرها.
و كذلك للباحثين الذين يأملون في استكشاف الحدث و عواقبه.
المصادر:
اقرأ ايضًا: أسوأ المجاعات فى تاريخ البشرية